للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنةٍ، واختلف أصحابنا هل كان واجبًا قبلَ الهجرة؟ منهم من قال: نزل فرضه قبل الهجرة، ومنهم من قال: لا بل بعدَ الهجرة سنة خمسٍ من الهجرة.

مَسْألَةٌ: قال الشافعي (١): فرض الله تعالى: الحج على كل حرّ بالغ.

الفَصلُ

الكلام الآن في بيان شرائط وجُوب الحج، والحج لا يجب إلا بوجود سبع شرائط. والمزني أخلّ بالنقل حيث اقتصرَ على ذكر ثلاث شرائط، والشافعي زاد على هذا فذكَرَ البلوغ، والعقل، والإسلام، والحريّة، ووجودُ الزادِ، والراحلةِ، وتخليه الطريق، وإمكان السير على العرف، والعادة، فإن عدم شرط من هذه الشرائط لا يجبُ الحج، فالصبي لا يلزمه الحج لقوله (صلي الله عليه وسلم):" رفع القلم عن ثلاثة .... " الخبر. وروي أنه قال:" أيّما صبيّ حج ثم بلغ فعليه حجة الإسلام" (٢)، فثبت أن الوجوب يتعلق بالبلوغ، لأنه عبادة على البدن فلا يلزم الصبيّ، كالصّوم، والصّلاة، وكذلك المجنون لا حجّ عليه لما ذكرنا. وأمّا العبد، فلا يلزم لما روى ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي (صلي الله عليه وسلم)، قال:" أيّما عبدٍ حجّ ثم أعتق فعليهِ [٤/أ] حجة الإسلام" (٣)، ولأن الحج إنما يجب بوجود الزاد والراحلة، ولا مال للعبي، ولهذا لا يلزمه الجهاد أيضًا. وأما الكافر هل يخاطب بالحج؟ وجهان، ولا خلاف أنه لا بصحّ منه لقوله (صلي الله عليه وسلم) "أيّما أعرابي حجّ ثم هاجرَ فعليه حجة الإسلام"، ولأن الحج عبادة والكفر ينافيها. وأمّا الزاد والراحلة فشرط في وجوبه لِما روي أن النبي (صلي الله عليه وسلم) سُئل عن الاستطاعةِ، وروي أنه سئل عن السبيل، فقال:" الزاد والراحلة" (٤)؛ ولا تجب إذا لم يكن الطريق مأمونًا لأنه لو دخل في الحج ثم منع منه كان له الخروج، فلأن لا يلزمه الدخول فيه عند اقتران المنع أولى، وفيه ورد قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦]، ولا يجب إذا ضاق الوقت، ولا يمكنه المسير إليه في تلك السّنة، فإن بقي إلى السّنة الأخرى، وبقيت الشرائط التي ذكرناها وَجَبَ الحج واستقرّ هذا لأن العبادة لا تجب معَ عدم الإمكان.

ثم أعلم أن هذه الشرائط على ثلاثة أضرب: ضربٌ يمنع الوجوب والصحّة، وهو الإسلام والعقل، وضربٌ هو شرط في الوجُوب دون الأجزاء، وهو الاستطاعة وتخليه الطريق، وإمكان المسير، فإنه لو استقرَضَ الزادَ والراحلة ودفع العدو بالقتال أو المال، وسار أسرع من المسير المعتاد حتى حج أجزأه، ووقع واجبًا، ومنها ما هو شرط في الوجوب والأجزاء عن الفرض، وهو البلوغ والحرية. وقيل: أريع منها شرط في وجوبه، وجوازه عن الفرض، وهي البلوغ والعقل والإسلام والحرية [٤/ب] وشرطان منها لا يمنع فقدهما الجواز كما يمنع الوجوب على ما ذكرنا، والباقيان منها لا يمنع فقدهما الجواز والثلاث الأخر شرط في الوجوب دون الجواز. وقال أحمد: شرائط


(١) انظر الأم (٢/ ٩٣).
(٢) أخرجه البيهقي في" الكبرى" (٨٦٣١).
(٣) أخرجه ابن خزيمة (٣٠٥٠)، والحاكم (١/ ٤٨١)، والخطيب في" تاريخه" (٨/ ٢٠٩).
(٤) أخرجه الترمذي (٨١٣)، وابن ماجه (٢٨٩٦)، والدراقطني (٢/ ٢١٦)، والحاكم (١/ ٤٤٢)، والبيهقي في" الكبرى" (٨٦٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>