للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوب خمس، فأما تخليه الطريق، وإمكان المسير فهما من شرائط الأداء دون الوجوب حتى لو مات حجّ عنه من ماله، ولو وجدت الشرائط الخمس، وكان الطريق مخوفًا، والوقت ضيقًا ثبت الحج في ذمته لأن إمكان الأداء لا يكون شرطًا في وجوب العبادة كما في الصلاة والزكاة، وهذا غلط لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧]، وهذا غير مستطيع، ولأنه معنى يتعذر مع عدمه فعل الحج، فكان شرطًا في وجُوبهِ كالزاد، والراحلة.

وأما الصلاة والصوم والزكاة لا نسلم لأن إمكان الأداء شرط في وجوبها، وإن سلّمنا في الزكاة في أحد القولين، فلأنها حقّ في المال، ووجوبها أوسع لأنها تجب على الصبيّ والمجنون.

مَسْألَةٌ: قال (١): ومن حجّ مرةً واحدةً في دهره، فليس عليهِ غيرها.

لا يجب الحج بابتداء الشرع إلاّ مرة واحدةً، وإذا حجّ حجة الإسلام فقد سقط عنه فرض الحج سواء بقي على الإسلام، أو ارتد ثم أسلم. وقال أبو حنيفة: من ارتد بعدما حج ثم عاد إلى الإسلام يلزمه الحج مرةً أخرى، وهذا على أصلهِ أن مجرد الردة يحبط ما مضى من الأعمال، فإذا عاد إلى الإسلام كان كيوم وَلدته أمه مستأنف الأمر، وعندنا لا تحبط الأعمال إلا باقتران الموت بالردة، واحتج بقولهِ تعالى: [٣/ب] {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة:٥]، وهذا غلط لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: ٢١٧]، وأما الآية التي احتجوا بها، أراد بها إذا مات عليها، بدليل هذه الآية، والأصل فيما ذكرنا ما روي أن الأقرع بن حابس، قال: يا رسول الله أحجتنا بها لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال:" بل للأبد ولو قلت: لعامنا هذا لوجب، ولو وجب لم تطيقوه" (٢)، وفي رواية ابن عباس أن الأقرع قال: يا رسول الله الحج في كل سنةٍ مرةٍ واحدة؟ فقال:" بل مرةً واحدةً، فمن زاد فتطوعٌ"، وإنما سأل لأن ظاهر قوله تعالي: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:٩٧]، يوهم التكرار لما ذكرنا أن الحج في اللغة: اسم يقصد فيه تكرار.

فَرْعٌ

لو أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام هل يبني على إحرامه أم يستأنف؟ وجهان:

أحدهما: يبطل إحرامه كما يبطل بها الصوم والصلاة.

والثاني: لا يبطل لأنه لا يبطل بالجنون، والموت، فكذلك بالردة، فإذا أسلم بنى عليه، والصحيح عندي الأول.


(١) انظر الأم (٢/ ٩٤).
(٢) أخرجه أبو داود (١٧٢١)، وأحمد (١/ ٢٥٥، ٢٩٠، ٣٠٢،٣٧١)، والدارمي (٢/ ٢٩)، والحاكم (١/ ٤٤١،٤٧٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>