وتشهد بينة أحدهما أنه ابتاعها منه، في يوم السبت وتشهد بينة الآخر أنه ابتاعها منه في يوم الأحد، فهما في تقارب هذين الزمانين وتباعده سواء، فيحكم بصحة العقد الأول، وإبطال الثاني، لأنه قد زال بالأول ملك البائع، فصار في الثاني بائعاً لغير ملك فيرجع الثاني على البائع بالثمن. لقيام البينة بقبضه له ويكون الأول أحق بالدار ولا يدل ذلك على ملكه في الدار، لأنه قد يجوز أن يكون البائع غير مالك حتى يقول الشهود أنه باعها، وهو مالكها، أو يقولوا إنها لهذا المشتري بابتياعها من هذا البائع، فتدل له الشهادة أحد الأمرين على ملك المشتري وصحة عقده وإن لم يكن في البينتين بيان على تقدم أحد العقدين، وذلك يكون في أحد ثلاثة أوجه إما أن لا يكون في واحد منهما تاريخ، أو تؤرخ أحدهما دون الأخرى، أو تؤرخ كل واحدة منهما إلى وقت واحد، لا يتقدم إحداهما على الأخرى، فيكون بيان التقدم معدوماً على الوجوه الثلاثة وإذا كان كذلك لم تخل حال الدار من أربعة أحوال:
إحداها: أن تكون في يد البائع.
والثانية: أن تكون في يد أحد المشتريين.
والثالث: أن تكون في أيديهما.
والرابع: أن تكون في يد أجنبي.
فصل:
فأما الحالة الأولى: وهو أن تكون في يد البائع: فقد اختلف أصحابنا في تصديق البائع، لإحدى البنتين هل يوجب ترجيحها على الأخرى؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي إبراهيم المزني وأبي العباسبن سريج، أن تصديق البائع لإحداهما مقبول، تترجح به بينته، لأنه أصل ذو يد فعلى هذا يرجع إلى بيانه في أي العقدين تقدم ولا يرجع إلى بيانه أيهما باع، لأنه قد ثبت عليه البيعان بالبينة، فيرجع إليه بالتقدم منهما، فإذا بين أحدهما التقدم كان البيع له، ولا يمين على الآخر، لأنه لو رجع عن قوله لم يقبل، وليس يغرم للآخر القيمة، وإنما يرد عليه الثمن، فلذلك لم تلزمه اليمين، وإن أنكر أن يكون عنده بيان، أحلف وكان لكل واحد منهما أن يحلفه يميناً تخصه، لأنه لو بين بعد إنكاره قبل منه فلذلك لزمته اليمين. فإن جمع بين المشتريين في البيان، لم يكن فيه بيان، لأنه بيانه في التقدم، ويستحيل أن يكون على واحد منهما متقدماً على الآخر في حاله.
وقال أبو حامد الإسفراييني، تكون الدار بينهما بتصديقه لهما. فإن قال ذلك وهو يرى أن بيان البائع مقصور على المتقدم بالعقد فقد وهم لاستحالة اجتماعهما في التقدم، وإن قاله، لأنه يرى أنه يرجع إلى بيان البائع لأيهما باع فهو ارتكاب مذهب لا يقتضيه المذهب لما بيناه.