والثاني: وهو قول أبي علي بن خيران، وعامة أصحابنا أن تصديق البائع لأجل يده، غير مقبول، في ترجيح بينة أحدهما، لاتفاق البينتين على زوال ملكه فبطل بها حكم يده، وإنما يرجع إلى يد يجوز أن تكون مالكه، وليس للبائع يد ملك. فعلى هذا يجري على البينتين حكم المتعارضتين في الظاهر، وإن جاز أن لا يتعارضا في الباطن بأن يتقدم أحد العقدين على الآخر فيكون في تعارضهما ثلاثة أقاويل:
أحدهما: إسقاطها فيرجع إلى قول البائع لا ترجيحاً للبينة لأنهما قد أسقطتا، ولكن لأنها دعوى عليه في ابتياع منه، فإن كذبهما حلف لكل واحد مهما، وغرم له ما شهدت به بينته من الثمن الذي دفعه، والدار باقية على حكم ملكه، وإن صدق أحدهما، وكذب الآخر، كانت الدار مبيعة على المصدق، دون المكذب فإن طلب المكذب إحلاف البائع، نظر فإن كان قد سبق بالدعوى على المصدق كان له إحلاف البائع، لأنه قد استحق اليمين بإنكاره قبل دعوى المصدق، فلم يسقط حقه منها بتصديقه لغيره، وإن كانت دعواه بعد تصديق الآخر، فلا يمين عليه إلا على تخريج يذكره، لأنها دعوى في خلال لا ينفذ فيها إقراره ويرجع عليه بالثمن الذي شهدت به ببينته، فلو عاد البائع فصدق الثاني بعد تصديق الأول، كان البيع للأول، لتقدم إقراره، ونظر في قيمة الدار، فإن كانت بقدر الثمن الذي شهدت به بينة الثاني، لم يغرم للثاني إلا الثمن، وأن كانت قيمتها أكثر من الثمن ففي وجوب غرم زيادة القيمة بعد رد الثمن قولان:
أحدهما: لا يغرمها.
والثاني: يغرمها.
ومن هاهنا يجيء تخريج قول أبي علي للبائع أن يحلف للمكذب لأنه إذا غرم مع الإقرار حلف مع الإنكار، ولو صدق البائع لهما جميعاً، جعلت الدار بينهما، ويكون نصفها مبيعاً على كل واحد منهما بنصف الثمن الذي شهدت به بينة، إن اتفقوا على قدره. وإن عدلوا إلى غيره، فكل واحد من المشتريين يأخذ نصف الدار بنصف الثمن الذي أقر به البائع. إن صدق المشتريان على قدره، وإن كذباه، حلفاه عليه، وأبطل البيع، ولا يعتبر الثمن الذي شهدت به البينة إلا في دفعه دون عقد البيع، لأنه قد أسقط قبولهما في البيع، فسقط حكم الثمن الذي شهدا به وإن قبلت شهادتهما في دفعه، لأن تعارضهما في البيع لا في دفع الثمن فهو أحلم القول الأول في إسقاط البينتين بالتعارض.
والثاني: الإقراع بين البينتين فأيتهما قرعت حكم بها وكان البيع لمن شهدت له، وفي إحلافه مع القرعة قولان:
أحدهما: يحلف إن قيل: إن القرعة مرجحة لدعواه.
والثاني: لا يمين إن قيل إن القرعة مرجحة لبينته، وللمقروع أن يرجع على البائع بالثمن الذي شهدت به بينته.
والثالث: استعمال البينتين، وقسم الدار بهما بين المشتريين ليكون نصفها مبيعاً من