فأما إذا أفادت زيادة على ما أفادته اليد، فإن يقدمها على بينة الخارج، وقد أفادت هذه البينة زيادة على ما أفادته يده، فلذلك قدمها على بينة الخارج وعلى قول أبي يوسف، ومحمد، تكون بينة الخارج أولى في الأحوال كلها.
وذهب أبو إسحاق المروزي، ومن تابعه من أصحاب الشافعي إلى أن الترجيح بقديم الملك أولى من الترجيح باليد، فيكون على قولين أحدهما يحكم بقديم الملك إذا رجحت به البينة، والثاني يحكم لصاحب اليد إذا لم تترجح به البينة، واحتج في ترجيح قديم الملك على الترجيح باليد، بأنه لو شهدت بينة مدع أن هذه الدار كانت له بالأمس حكم له بملك الدار في اليوم استدامة لملكه، ولو شهدت له أنها كانت في يده بالأمس لم يحكم له باليد في اليوم، ولم يوجب استدامة يده.
وهذا خطأ من قائله، لأن البينة تزاد لإثبات اليد، فإذا ترجحت إحداهما باليد، وافقت موجبها، وخالفت موجب الأصل، فكذلك ترجحت البينة بها، وهذا المعنى موجود في قديم الملك وحديثه.
فأما ما استشهد به من قديم اليد، وقديم الملك فهما سواء لا يحكم فيهما باستدامة اليد، ولا باستدامة الملك حتى يشهدوا أنه كان مالكاً لها بالأمس، وإلى وقته، لأن النزاع في ملكها، فالوقت دون ما تقدم فصارت الشهادة بالمتقدم، من غير التنازع، فلم يحكم بها، لأنه قد يملك ما يزول عنه ملكه في اليوم، فإن كان أبو إسحاق المروزي يرى الحكم بها في اليوم مذهباً لنفسه، خولف فيه تعليلاً بما ذكرنا. فإن قيل: فإذا رجحتم البينة، فهلا رجحتم بزيادة العدد؟
قيل: لأن زيادة العدد لم تفد زيادة على ما أفادته زيادة البينة، واليد أفادت من زيادة التصرف ما لم تفد البينة، فلذلك ترجحت البينة باليد، ولم تترجح بزيادة العدد.
فصل:
وأما القسم الثالث: إذا كان الملك في أيديهما، وكان داراً فأقام كل واحد منهما بأنه جمع الدار له، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن تتكافأ البينتان، ولا تشهد أحدهما بقديم الملك فقد أقام كل واحد منهما بينته بملك جميع الدار التي نصفها بيده، ونصفها بيد الآخر، فصار له فيما بيده بينة داخل وفيما في يده صاحبه بينة خارج، فتعارضت البينتان في الدخول والخروج.
فإن قيل: إن تعارضهما موجب لسقوطهما حلف كل واحد منهما لصاحبه، وأقرت الدار في أيديهما ملكاً باليد والتحالف. وإن قيل: إن تعارضهما موجب لاستعمالهما وقسم الملك بينهما، فلا يمين عليهما، وتجعل الدار بينهما ملكاً بالبينة.
والثاني: أن تشهد بينة أحدهما بقديم الملك وتشهد بينة الآخر بحديث الملك، فإن لم تجعل الشهادة بقديم الملك ترجيحاً للبينة على أحد القولين، فالجواب على ما مضى