للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تنازعا دابة، فيقيم أحدهما البينة أنها له نتجها في ملكه ويقيم الآخر البينة أنها له، ولا يقولون نتجها في ملكه.

حكي المزني عن الشافعي رضي الله عنه أنه جعلها لمن أقام البينة، أنه نتجها في ملكه، وجعله شاهداً على الحكم بقديم الملك دون حديثه، فاختلف أصحابنا في النتاج، هل يترجح بالبينة قولاً واحداً، أو يكون على قولين كالشهادة بقديم الملك؟ وذهب ابن سريج وابن خيران إلى التسوية بينهما وأنهما على قولين:

أحدهما: أنهما سواء في التعارض.

والثاني: أنه يترجح البينة بقديم البينة بقديم الملك، وبالنتاج على البينة الخالية منهما.

وحكي أبو علي بن خيران عن أبي العباس بن سريج أن الشهادة بالنتاج ليست من منصوصات الشافعي، وإنما أوردها من تلقاء نفسه.

وذهب جمهور أصحابنا إلى صحة نقله، وأن بينة النتاج عند الشافعي أقوى من البينة بقديم الملك على قولين، ولئن لم يكن النتاج مسطوراً، فقد نقله عنه سماعاً، وفرقوا بين النتاج وقديم الملك في القوة، بأن الشهادة بالنتاج على ملكه تنفي أن يتقدم عليهما ملك لغيره، فصار النتاج بهذا الفرق أقوى من قديم الملك، فلذلك رجحت البينة بالنتاج قولاً واحداً، وكان ترجيحها بقديم الملك على قولين. وهكذا لو تنازعا ثوباً، وأقام أحدهما البينة على أنه له نسجه في ملكه، وأقام الآخر البينة على أنه له، ولم يقولوا نسجه في ملكه. كان كالبينة كالنتاج على ما قدمناه من الشرح.

فأما إذا شهدت بينة أحدهما بسبب الملك من الابتياع، أو ميراث وشهدت الأخرى بالملك من غير ذكر سببه، فيكون الترجيح بذكر السبب كالترجيح بقديم الملك فيكون على قولين:

أحدهما: أن النسج ملحق بالنتاج وذكر السبب ملحق بقديم الملك.

فصل:

وأما القسم الثاني: إذا كان الملك في يدي أحدهما وشهدت بينة أحدهما أنه له منذ سنة، وشهدت بينة الآخر أنه له منذ شهر، فإن كانت البينة بقديم الملك لصاحب اليد، حكم له بالملك. لا يختلف فيه مذهب الشافعي، وجميع أصحابه، لأنه قد ترجح باليد، وبقديم الملك، وإن كانت البينة بقديم الملك الخارج، دون صاحب إليه ترجح أحدهما باليد وترجح الآخر بقديم الملك، فالذي نص عليه الشافعي هاهنا أنها تكون لصاحب اليد ترجيحاً بيده على قديم الملك، وتابعه جمهور أصحابه على هذا القول، وبه قال أبو حنيفة، فإنه حكم ببينة صاحب اليد في هذا الموضع وإن كان يرى أن بينة الخارج أولى من بينة صاحب اليد، لأنه يمنع من بينة الداخل، إذا لم تفذ إلا ما أفادت اليد.

<<  <  ج: ص:  >  >>