قال في الحاوي: أما الغنائم قبل إجازتها واستقرار الظفر بهزيمة أهلها فهي باقية على ملك أربابها، فإن وطئ منهم جارية كان الواطئ زانيًا يجب عليه الحد، فأما إذا استقر الظفر بالهزيمة وأحيزت الأموال والسبي فقد ملكها جميع الغانمين على وجه الاستحقاق، لا على وجه التعيين كما يملك أهل السهمان الزكاة قبل دفعها، فأما كل واحد من الغانمين فإنما يملك بالحضور أن يتملك بالقسم كالشفعة ملك الخليط بالبيع أن يتملك بالأخذ، وإنما ملك الغانم، إن يتملك، ولم يتعين له الملك لمعنيين:
أحدهما: أن حقه فيها يزول بتركه ويعود إلى غيره كالشفعة، ولو ملكه لم يزل بتركه كالورثة.
والثاني: ولو تأخر قسمها حين حال حولها لم تجب زكاتها، ولو ملكت وجبت زكاتها، فإذا تقرر هذا فصورة مسألة الكتاب في رجل من الغانمين وطئ جارية من السبي المغنوم فهو وطء محرم؛ لأنه لم يملكها ولا حد عليه للشبهة.
وقال مالك والأوزاعي وأبو ثور: عليه الحد؛ لأنه وطء محرم في غير ملك، فوجب به الحد كالزنا، ودليلنا في سقوط الحد عنه قول النبي صلي الله عليه وسلم: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" وشبهة الوطء فيها أنه ملك منها أن يتملكها فكانت أقوى من شبهة الأب في جارية ابنه التي ما ملك أن يتملكها فلما سقط الحد عن الأب في جارية ابنه كان سقوطه عن هذا أولى، وبه خالف محض الزنا، وصار كوطء الأجنبية بشبهة.
فإذا ثبت سقوط الحد نظر، فإن علم بالتحريم عزر؛ لأن الشبهة لا منع من التعزير، وإن منعت الحد لحظر الإقدام على الشبهات، وإن لم يعلم بالتحريم فلا حد عليه ولا تعزير، فأما المهر فواجب عليه في الحالين مع علمه بالتحريم وجهله به كغيره من وطء الشبهة، فإذا وجب عليه نظر في عدد الغانمين فإن كان غير محصور لكثرتهم دفع جميع المهر، وضم إلى الغنيمة حتى يقسم معها في جميع الغانمين، فلو صارت الجارية التي وطئها في سهمه وملكها بالقسمة بعد وطئه لم يسترجع المهر بعد دفعه ولم يسقط عنه قبل دفعه؛ لأنه استحدث ملكها، بعد وجوب مهرها، فصارت كأمة وطئها بشبهة، ثم ابتاعها بعد الوطء من سيدها لم يسقط عنه مهرها، وإن كان عدد الغانمين محصورا، فقد قال الشافعي: يسقط عنه المهر بقدر حصته فيها، فاختلف أصحابنا في محل سقوطه على وجهين، حكاهما أبو إسحاق المروزي.
أحدهما: أنه يسقط عنه قدر حقه منها إذا كان قد تملكها بالقسمة مع جماعة من الغانمين محصورين، وأما إن كان وطئها قبل أن يتملكها، فلا يسقط عنه شيء من مهرها، وإن كان عددهم محصورا؛ لأنه وطء في حال ليس بملك فيها، وإنما ملك أن يتملك.
والثاني: انه يسقط عنه في الحالين بقدر حصته منها، سواء كان وطؤه قبل التملك أو بعده؛ لأن ملكها موقوف عليهم، ولا حق فيها لغيرهم، والأول أشبه.