الشافعي أنهم محجوبون فيه بالعقل دون السمع كالقسم الأول.
والثاني: وهو قول أبي حامد الإسفرايينبي، وزعم أنه الظاهر من مذهب الشافعي أنهم محجوبون فيه بالسمع وإن وصلوا إلى معرفته بالعقل، وبالوجه الأول قال أكثر البصريين وبالوجه الثاني قال أكثر البغداديين. وهذا الوجهان مبنيان على اختلاف وجهي أصحابنا في التكليف هل اقترن بالعقل، أو تعقبه، فمن زعم أنه اقترن بالعقل جعلهم محجوبين بالسمع دون العقل.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا من حقن دمائهم قبل بلوغ الدعوة إليهم ضمنت دماؤهم بالدية إن قتلوا ولم تكن هدرًا.
وقال أبو حنيفة: ى تضمن دماؤهم وتكون هدرًا احتجاجًا بأمرين:
أحدهما: من لم يثبت له إيمان ولا أمان كان دمه هدراً كالحربي، وليس لهؤلاء إيمان ولا أمان.
والثاني: أن الدية أحد موجبي القتل فوجب أن يسقط في حقهم كالقود. ودليلنا شيئان:
أحدهما: أن من لم يظهر عناده في الدين مع تكليفه لم ينهدر دمه كالمسلم.
والثاني: أن حرمة النفوس أعلم من حرمة الأموال، فلما وجب رد أموالهم عليهم وجب ضمان نفوسهم. فأما الجواب عند استدلالهم بأن لا إيمان لهم ولا أمان هو أن لهم أمان ولذلك حرم قتلهم وأما الجواب عن القود فهو أنه يسقط بالشبهة، ولا تسقط الدية بالشبهة فافترقا.
فصل:
فإذا ثبت ضمان دياتهم، فقد أطلق الشافعي هاهنا ذكر الدية واختلف أصحابنا في مقدارها على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها الدية الكاملة دية المسلم تمسكاً بالظاهر من إطلاق الشافعي، واحتجاجًا بنفي الكفر عنهم قبل بلاغ الدعوة إليهم.
والثاني: وقد نص عليه الشافعي في كتاب "الأم" أنها دية كافر إن كان يهوديًا، أو نصرانيًا، كانت ثلث دية المسلم، وإن كان مجوسيًا أو وثنيًا، فثلثا دية المسلم ثمانمائة درهم لأن قصور الدعوة عنهم موجب لحقن دمائهم وليس بمثبت لإيمانهم.
والثالث: وهو قول أبي إسحاق المروزي إن يتمسكوا بدين أصله باطل، كعبدة الأوثان فدية كافر ليس له كتاب كدية المجوسي، وإن تمسكوا بدين أصله حق كاليهودية والنصرانية فدية مسلم، لأن فيه على أصل الإيمان قبل علمهم بالنسخ.