كان يقدر على استنابة أمين فيه حنث، وإن لم يقدر على الاستنابة لم يحنث على الصحيح من المذهب، لأن أخذه في ذلك شروع في الخروج، ويحتمل وجهًا آخر أنه يحنث، لأنه منع لا يختص ببدنه، وإن قدر على الخروج وارتفعت عوارض المنع حنث بقليل المقام وكثيره فإن كان لخروجه بابان يقرب من أحدهما ويبعد من الآخر كان مخيرًا في الخروج من أيهما شاء، ولا يحنث بالخروج من أبعدهما، لأنه أخذ في الخروج وإن بعد مسلكه، فإن صعد إلى علوها للخروج من سطحهما، وله باب يخرج منه حنث؛ لأنه بالصعود في حكم المقيم، ولو لم يقدر على الخروج من بابه لم يحنث بالصعود للخروج.
فصل:
وإذا خرج منها، ثم عاد إليها لنقل عياله، أو ماله، سواء قدر على الاستنابة في ذلك، أو لم يقدر، لأنه لا يكون بالعود بعد الخروج لنقل أهل، أو رحل ساكنًا، فإن لبث بعد العود لغير نقل أهل أو رحل حنث، قل زمانه لبثه أو كثر، ويراعى في لبثه لنقل الرحل والأهل وما جرى به العرف من غير إرهاق، ولا استعجال.
فإن قال:(أردت بيميني لا سكنت هذه الدار شهرًا) فإن كانت بالله، حملت على ما نواه ظاهرًا أو باطنًا لأنها مختصة بحق الله الذي يحمل فيه على نيته، وإن كانت بطلاق، أو عتاق حمل على التأبيد في ظاهر الحكم لوجود خصم فيه، وكان في الباطن مدينًا فيما بينه وبين الله تعالى، ومحمولًا على ما نواه، ولو قال (لا سكنتها يومًا، كانت معلقة إلي مثل وقته من غده، ولو قال: (لا سكنتها يومي هذا) انقضت بغروب الشمس من يومه، يكون في الأولة مستوفيًا اليوم، وفي الثانية مستوفيًا لبقية اليوم: لوقوع الفرق بين الإطلاق والتعيين.
قال في الحاوي: أما المساكنة فهي المفاعلة بين اثنين، فأكثر، فإذا حلف "لا ساكنت فلانًا" فاليمين منعقدة على أن لا يجتمعا في مسكن واحد، وبر الحالف بخروج أحدهما، فإن خرج الحالف، وبقى المحلوف عليه، بر وإن خرج المحلوف عليه، وبقى الحالف بر وإن خرجا معًا كان أوكد في البرد، وإن بقيا فيها معًا، حنث الحالف، وإن قال:"والله لا سكنت مع زيد" فقد ذهب بعض أصحابنا البصريين أحسبه "أبا الفياض" إلى أن اليمين تكون متعلقة بفعل الحالف وحده، فإن خرج الحالف بر، وإن خرج المحلوف عليه، لم يبر، لأنه أضاف الفعل إلى نفسه، وهكذا لو قال:"والله لا سكن معي زيد" كان تعلق البر بفعل المحلوف عليه وحده، فإن خرج المحلوف عليه بر، وإن خرج