والاستدلال الثاني: أن في التجزئة إيصال الورثة إلى حقوقهم من غير التركة، فيصير المعتق مستوعبًا لتركته، وحقه في ثلثها، والوارث ممنوع منها، وقد استحق ثلثيها.
وما أدي إلى هذا كان الشرع مانعًا منه.
وأما الدليل على جواز القرعة لتمييز الحرية من الرق، فمن وجهين:
أحدهما: ما روي أن عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، استشار خارجة بن زيد ابن ثابت، وأبان بن عثمان في القرعة بين العبيد في الحرية والرق، فأشارا عليه باستعمالها فيه، فعمل بها، ولم يظهر في عصره مخالف فيها، فصار قول ثلاثة من التابعين انعقد بهم الإجماع.
والاستدلال الثاني: أنه لما استعملت القرعة فيقسمة الأملاك المشتركة ليتميز بها نقل أملاك عن ملاك، كان استعمالها في ملك الواحد ليتميز بها حرية ملكه من رقه أولى من وجهين: أحدهما: أنه في ملك واحد، وذلك في ملك جماعة. والثاني: أن في العتق حقًا لله تعالى، فكان بنفي التهمة أحق.
فصل
فإذا ثبت ما ذكرنا من تجزئتهم، والإقراع بينهم، فحكمهم موقوف في بقاء المعتق في مرضه لا يجري عليه حكم العتق، لجواز أن يحدث عليه دين يستغرق قيمتهم، فيرقوا، ولا يجري عليهم حكم الرق لجواز أن يفيدها ما لا يخرجون من ثلثه، فيعتقوا ولا يجزؤون، ويقرع بينهم، لأنه غير موروث في حياته، وقد يجوز أن يصح، فلا يورث، وتكون أكساب العبيد المعتقين موقوفة على ما يستبين. فإذا مات المعتق وجبت التجزئة، واستعملت القرعة واعتبر قدر التركة ليكون العتق معتبرًا بثلثها إذا أقنع الورثة من إجازته، ولو كان للمعتق في مرضه مال يخرجون من ثلثه لم يحكم بعتقهم قبل موته، لجواز أن يتلف ماله، فلا يصل إلى ورثته أو يركبه دين يسترقون في قضائه.
فصل
فإذا مات المعتق، وأقرع بينهم كان من خرج عليه سهم العتق حرًا بلفظ المعتق، وملك جميع أكسابه في حياة معتقه.
ومن خرج عليه سهم الرق مملوكًا لم يزل، وجميع أكسابه تركة موروثة، ولا تقع بالقرعة حرية ولا رق، وإنما لتتميز بها الحرية من الرق.
وحكي عن مالك أن بالقرعة يقع العتق، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حين أقرع بين العبيد الستة أعتق اثنين، وأرق أربعة» وهذا المحكي عنه ليس بصحيح من وجهين: أحدهما: أنه لما كان خروجهم من الثلث موجبًا لعتقهم بلفظ المالك، وجب إذا عجز الثلث عنهم أن تكون حرية من عتق منهم بلفظ المالك. والثاني: أن عتقهم بالقرعة مبطل لعتق المالك، وإبطال عتق المالك موجب لإبطال القرعة، وكل حكم علق بسبب أدي ثبوته إلى إبطال سببه، بطل الحكم بإثبات سببه.