أن النبي فرق بين المتلاعنين، فأضاف التفريق إليه وهذا غلط؛ لأن قوله: يمنع الزوجين من البقاء على النكاح فالفرقة به لا تفتقر إلى حكم الحاكم كالطلاق. وأما الخبر الذي ذكره مالك يقول به: وليس فيه دليل على أنهما يجتمعان قبل لعانهما، وأما الخبر الذي ذكره أبو حنيفة قلنا: لفظ التفريق يستعمل لإيقاع الفرقة ويستعمل لإظهار الفرقة والمراد هاهنا الإظهار لا الإيقاع أي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين مفترقان بدليل أنه رؤى والحق الولد بالأم والمعلوم أن الولد يلحق بالأم من غير حاجة إلى حكم الحاكم في الإلحاق ومعناه إظهار ذلك الحكم. وفسر الشافعي هذا اللفظ فقال: معنى قولهما: [١٩٨/ ب] أي قول سهل وابن شهاب: كانت تلك سنة المتلاعنين فرقة بلا طلاق الزوج وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم.
ثم اعلم أن الفرقة الواقعة به فسخ كالفسخ بالرضاع وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: هي طلقة ثانية وهذا غلط؛ لأنها فرقة لا ترتفع بعقد النكاح بحال فكانت فسخًا كفرقة الرضاع، وحكي عن الأصم أنه قال: لا ينتفي النسب باللعان وهذا خطأ فاحش لما روينا من الأخبار، ثم اعلم أن الشافعي استغل بعد هذا بتأويل ثلاثة أحاديث؛ أحدها أنه قال: وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعلم أن أحدكما كاذب فهل ونكما تائب؟ فحكم على الصادق والكاذب حكمًا وحدًا وأخرجهما من الحد وقصد بهذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يستعمل غلبة الظن وقضى على الصادق والكاذب قضاء واحدًا وأخرجهما من الحد بلعانهما فدل على أنه لا يجوز للحاكم الأخذ بباطن المكذب وعليه إجراء الحكم بظاهره وأن تيقن أن أحد الخصمين كاذب في خصومته لا محالة، وهذا لأنه لما لم يتيقن الصادق من الكاذب استوي حكمهما كما لو صلى باجتهاده أربع صلوات إلى أربع جهات بالاجتهاد لا يلزمه إعادة واحدة منهما، لأنه لم يتعين الخطأ في واحدة منها.
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن جاءت به أديعج فلا أراه إلا قد صدق عليها فجاءت به على النعت المكروه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أمره أن يبين لولا ما حكم الله وأخبر أنه لم يستعمل دلالة صدقه عليها، وحكم بالظاهر بينه وبينها فمن بعده من الولاة أولى بأن لا يستعمل دلالة في مثل هذا المعنى، ولا يقضي إلا بالظاهر أبدًا لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما لا يعلم غيره، [١٩٩/ أ] وقصد بهذا أنه وجد إمارة دالة على كذبها ولم يعمل عليها، وأخبر أن الله تعالى أمر بإجراء الحكم فيها بظاهر الأيمان، وإن كان كذبهما بينا بالدلالة وقيل: قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر صفة الولد لزيادة الردع والزجر حتى تنزجر عن مثل صنيعها. وقيل: قصد به الرد على مالك فإنه يستعمل في بعض المسائل دلالة الصدق على غير ما ورد به الشرع، فقد قال في الخلوة: إذا طالت أو قصرت يختلف الحكم، فإن كانت الخلوة في داره فالقول قولها في وجود الإصابة طالت أو قصرت، وإن كانت الخلوة في دارها فالقول قوله في عدم الإصابة إذا قصرت المدة، والثالث: