وجملته: أن الأواني الطاهرة يجوز التطهر من الماء الذي فيها، ولا يجوز التطهر من الماء الذي في الأواني النجسة، ومن الأواني الطاهرة ما ينهى عن استعمالها مع جواز التطهر من مائها.
فإذا تقرر هذا، فقوله:"ويتوضأ في جلود الميتة إذ دبغت" أراد به ميتة كانت طاهرة في حال الحياة، فنجست بالموت؛ لأن الحوت لا ينجس بالموت ولا يحتاج في جلده إلى الدباغ، والكلب نجس في حال الحياة فلا يؤثر في تطهير جلده الدباغ. وفيما نقله المزني خلل؛ لأن هذا لفظ عام وعطف عليه الخبر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"أيما إهاب دبغ فقد طهر". وهو عام، يدخل تحته السباع وغيرها.
ثم عطف عليه فقال:" وَكَذَلِكَ جُلُودُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ السَّبَاعِ".
وهذا لا يحسن، ألا ترى أنه لو قال قائل: جميع الجلود تطهر بالدباغ، وكذلك جلود السباع كان لغوأً، وإنما ذكر الشافعي في أول الباب خبر شاة ميمونة وهو أنه صلي الله عليه وسلم [٢٩ ب/ ١] مر بشاة ميتة لميمونة، وروي لمولاة ميمونة، فقال:"هلا انتفعتم يإهابها؟ " فقيل: إنها ميتة،
فقال:"أيما إهاب دبغ فقد طهر". وروي أنه قال:"أليس في الشب والقرظ ما يطهره". وروي أنه قال:"إنما حرم عن الميتة أكلها".
ثم عطف عليه، فقال:" وَكَذَلِكَ جُلُودُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ السَّبَاعِ " ويحسن عطف العام على الخاص كما فعل الشافعي ولا يحسن عطف الخاص على العام كما فعل المزني. وقوله:"ويتوضأ في جلود الميتة" ومعناه بالماء الذي في جلود الميتة. واعلم أن الميتات كلها نجسة إلا خمسة؛ الحوت، والجراد، والصيد إذا مات في يد المعلم من غير عقر في قول، والآدمي في قول، والجنين إذا خرج ميتاً بعد ذكاة أمه.
واختلف الناس في جلود الميتات على سبعة مذاهب: فذهب الشافعي إلى أن جلود الميتات تنجس بالموت كما ينجس لحمها، إلا أنه يطهر بالدباغ جلد كل حيوان كان طاهراً في حياته ظاهراً وباطناً، ويجوز الصلاة معه وعليه، ويجوز استعماله في الأشياء الرطبة واليابسة، وكل حيوان نجس في حال حياته كالكلب والخنزير وما توالد منهما،