لا خلاف أن دية العمد لا تحملها العاقلة، سواء وجب فيهما القود أو لم يجب كجناية الوالد على الولد وما لا قصاص فيه من الجائفة وسائر الجوارح، وتكون الدية حالة في مال الجاني.
وقال أبو حنيفة: ما لا قصاص فيه من العمد تجب الدية فيه على الجاني مؤجلة كالخطأ، وهذا خطأ الأمور:
أحدها: أن سقوط القود في العمد لا يوجب تأجيل ديته كسقوطه بالعفو.
والثاني: أن غرم المتلف إذا لم يدخله التحمل حل كالأموال.
والثالث: أنه لما لم يتعجل دية الخطأ باختلاف أحواله لم تتأجل دية العمد باختلاف أحواله.
فصل:
فأما دية الخطأ المحض وعمد الخطأ فالذي عليه جمهور الأمة من المتقدمين والمتأخرين أنها واجبة على العاقلة تتحملها عن القاتل، وشذ منهم الأصم وابن علية وطائفة من الخوارج فأجبوها على القاتل دون العاقلة كالعمد، احتجاجًا بقول الله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر:١٨] وقوله تعالى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:١٥] وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر:٣٨] أي مأخوذة.
وبما روي أن الحسحاس بن عمرو العنبري قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرجل من قومي يجني أفؤآخذ به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من هذا منك" وكان معه ابنه فقال: ابن اشهد به أي أعلمه قطعًا وليس بمستحلق فقال: "إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" ولم يرد بذلك فعل الجناية؛ لأنه قد يجني كل واحد منهما على صاحبه، وإنما أراد به أن لا يؤاخذ بجنايتك ولا تؤاخذ بجنايته.
وروي أياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي فرأى التي في ظهره فقال له أبي: دعني أعالجها فإني طبيب، فقال:"أنت رفيق والله الطبيب" من هذا معك؟ فقال: ابني أشهد به فقال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" وروي الحكم عن مسروق عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، لا يؤخذ الأب بجريرة ابنه" وهذا نص. قالوا: ولأنه لما لم يتحمل