الأصل في الحكم بالقسمة الكتاب والسنة والإجماع, أما الكتاب فقوله تعالى:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}] النساء: الآية ٨ [وقوله تعالى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}] القمر: الآية ٢٨ [وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى لم يرض في قسمة الصدقات بملك مقرب ولا بنبي مرسل حتى تولى قسمتها بنفسه وقسم غنائم بدر بشعب من شعاب الصفراء, وقسم غنائم خيبر على ثمانية عشر سهمًا وروي أنه اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان في مواريث فقال: اذهبا فاقتسما واستهما وتحللا, وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشفعة فيما لم يقتسم, فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة, وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين في جوازها ووجوبها وكان للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قسام وكان قسام علي رضي الله عنه عبد الله بن يحيى يعطيه رزقه من بيت المال.
وقول الشافعي رضي الله عنه القسام حكام أراد به أن القاسم بمنزلة الحاكم لأن الحاكم يجتهد ويعمل على ما يؤدي إليه اجتهاده فيحكم به ويلزم ذلك, والقاسم بهذه الصفة أيضًا لأنه إذا عدل السهام وأقرع لزم ذلك لقوله, ويخالفون الحكام من وجهين: أحدهما: أن حكمه مختص بالحري في تمييز الحقوق وإفرازها, وحكم الحاكم مختص بالاجتهاد, والثاني أن استعداء الخصوم إلى الحكام دون القسام, واعلم أن القاسمين أعوان الحكام فيلزم الحاكم أن يختار لنظره من القاسمين من تكاملت فيه شروط القسمة على ما تقدم بيانه وقد ذكرنا أنه لا بد من أن يكون عدلًا عارفًا بالحساب والمساحة والفرائض وغيرها من الفقه أو يكون إذا عرفه القاضي وفهمه كيف الحكم فيه عرفه ليمكنه من القسمة على حسب ذلك غير أنه إن كان فقيهًا جاز أن يوليه الأمر ليتمه باجتهاده, وإن لم يكن فالقاضي يخبره بأني حكمت بأن الدار والأرض بين هذين على كذا سهمًا فاقسم بينهما هكذا ثم يكون وكيلًا للقاضي في ذلك لا متوليًا للأمر بولاية نفسه, ثم إنما ينصب قاسمًا ويعينه الأمير إذا اكتفى الناس بقاسم واحد وإلا فلا يعين بل يدع الناس يطلبون القسام لأنفسهم, وكذا أمر الكاتب لأنه إذا عين واحدًا أمره بأخذ أجرته من صاحب القسمة وإلا وفى في ذلك ويضر ذلك بالناس, وإنما جاز للقاسم طلب الأجرة ممن أحل له وكذلك الكاتب, ولم يجز ذلك للقاضي والمزكي والمفتي لأنهم يعملون الشرع وينوبون عن كافة المسلمين فإن الحكم والفتوى من فرائض الكفايات وكذلك الشهادة والتزكية.
والقسمة والكتبة لا تفرض على الأعيان ولا على الكتابة إذ تعدل في ذلك حق الله