تعالى بخلاف القسمة, ولأن القاسم عملًا يباشره, والقاضي يقضي على الأوامر والنواهي التي لا يصح الاعتياض, وإنما يأخذ القاضي المصدق من بيت المال لانقطاعه إلى الحكم لا أنه يأخذه أجره عن الحكم كما نقول في رزق الإمام والمؤذن والمفتي والمزكي.
وأما الشاهد قال أصحابنا: إن كانت الشهادة تعينت عليه وهو مكفي لم يجز له أخذ الجعل عنها, وإن لم يكن له كفاية وكان ينقطع بأدائها عن كسبه جاز له أخذ الجعل على القضاء ولا فرق بينهما ذكره القاضي الطبري.
وقال ابن أبي أحمد: لا يجوز أن يدفع شيئًا من بيت المال إلى الشاهد لأن أداء الشهادة فرض عليه, ولأن أخذ أجرة على الشهادة يوقع تهمة فيها وهو قول بعض أصحابنا بخراسان, ولو كثرت القسمة واتصلت فرضت أرزاقهم مشاهرة من بيت المال من سهم المصالح, وإن قلت القسمة أعطوا منه أجرة كل قسمة وهذا لأن القاضي لا يستغني عن المكاتبة فإن عدل المقتسمون عنهم إلى قسمة من تراضوا به من غيرهم جاز ولم يعترض عليهم, وجاز أن يكون من ارتضوه عبدًا أو فاسقًا وكانت أجرته في مالهم.
ثم اعلم أن الكلام في فصلين: أحدهما: في عدد الأقسام, والثاني في حكم الأجرة, فأما العدد فإن تراضوا بالعدد على ما اتفقوا من واحد واثنين ولا يقبل الحاكم قول هذا القاسم لأنه ليس بنائب عنه ولا يسمع شهادته لأنه على فعله, وإن أمر الحاكم بالقسمة ففي القسمة تعديل وحكم, والتعديل معتبر باثنين كالتقويم فإن كان فيها تعديل وتقويم لم يجز فيها أقل من قاسمين, وإن لم يكن فيها تعديل ولا تقويم قال الشافعي رضي الله عنه في موضع أمر الحاكم الشركاء أن يجتمعوا على قاسمين, وقال في موضع آخر: القاسم حاكم فاختلف أصحابنا فيه فقال أكثرهم فيه قولان:
أحدهما: يجزئ واحد كيال واحد, والثاني: لابد من اثنين كما في التقويم وجزاء الصيد لا بد من مجتهدين ولا يمتنع أن يكون كالحاكم ويجمع من اثنين كما قال تعالى:} فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا {] النساء: الآية ٣٥ [ومن أصحابنا من قال: هما على اختلاف حالين فإن كان في الشركاء طفل أو غائب فلا بد من اثنين, وإن كانوا حضورًا يجيبون عن أنفسهم جاز واحد ويقبل الحاكم هنا قول القاسم للاستتابة كما يقبل قول خلفائه, فإن جازت بقاسم واحد قبل قول الواحد, وإن لم يجز إلا قاسمين قبل قول الاثنين ولا يفتقر القاسم إلى لفظ الشهادة. وقال بعض أصحابنا فيه وجهان وليس بشيء.
وأما أجرتهم ففيها أربعة أحوال: أحدهما: أن يتفقوا على أجرة معلومة فيتقدر بها, والثانية: أن يتطوعوا فلا أجرة لهم, والثالثة: أن يتفقوا على أجرة مجهولة يلزم أجرة المثل, والرابعة: أن لا يجزي إلا أجرة ذلك ولم يكن من الأرباب بذل ولا من القاسم