للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دارع وأربعمائة حاسر فنفاهم إلي أذرعات من الشام.

ثم نقض بنو النضير عهودهم بعد أحد، لأنهم هموا أن يفتكوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسار إليهم، وأظفره الله بهم فأجلاهم إلي أرض خيبر. ثم نقض بنو قريظة عهودهم بمعونة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الخندق، فسار إليهم فأظفره الله بهم وحكم سعد بن معاذ فحكم بسبي الذراري، وقتل من جرت عليه المواسي، فقتلهم، وكانوا سبعمائة رجل.

ثم هادن قريشًا عام الحديبية عشر سنين، وفيه نزل قوله تعالى: {إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة ٧]. حتى نقضت قريش العهد بمعونة أحلافهم من بني أبي بكر على قتال أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة فسار إليهم سنة ثمان حتى فتح مكة، وكان صلح الحديبية سنة ست، وعمرة القضية سنة سبع، وكان هذا الصلح عظيم البركة أسلم بعده أكثر ممن أسلم قلبه.

فصل:

فإذا تقررت هذه الجملة لم يخل حال المسلمين عند إرادة الهدنة من ثلاثة أحوال:

أحدهما: أن تكون بهم قوة، وليس لهم في الموادعة منفعة، فلا يجوز للإمام أن يهادنهم وعليه أن يستديم جهادهم؛ لقول الله تعالى: {ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران ١٣٩].

والثانية: أن يكون بهم قوة لكن لهم في الموادعة منفعة، وذلك بأن يرجوا بالموادعة إسلامهم، وإجابتهم إلي بذل الجزية، أو يكفوا عن معونة عدو ذي شوكة أو يعينوه على قتال غيرهم من المشركين إلي غير ذلك من منافع المسلمين، فيجوز أن يوادعهم مدة أربعة أشهر، فما دونها؛ لقول الله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أربعة أَشْهُرٍ} [التوبة ١ - ٢] وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية أربعة أشهر، فإن أراد الإمام أن يبلغ بمدة موادعتهم في هذه الحال سنة لم يجز؛ لنها مدة الجزية التي لا يجوز أن يقر فيها مشرك إلا بها، فأما ما دون السنة وفوق أربعة أشهر، ففي جواز موادعتهم قولان:

أحدهما: نص عليه هاهنا، وفي الجزية من كتاب الأم انه لا يجوز موادعتهم أكثر من أربعة أشهر؛ لقول الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أربعة أَشْهُرٍ} [التوبة ٢] فجعلها حدًا لغاية الموادعة.

والثاني: نص عليه في سير الواقدي، يجوز أن يوادعهم ما دون السنة، وإن زاد على أربعة أشهر، لأنها دون مدة الجزية كالأربعة مع عموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة ١].

<<  <  ج: ص:  >  >>