للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالثة: أن لا يكون بالمسلمين قوة، وهم على ضعف يعجزون معه عن قتال المشركين فيجوزن أن يهادنهم الإمام إلي مدة تدعوه الحاجة إليها أكثرهم عشر سنين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن قريشًا عام الحديبية عشرين سنة لا أغلال فيها، ولا أسلال، ودامت هذه المهادنة سنتين حتى نقضوها فبطلت فإن احتاج الإمام إلي مهادنتهم أكثر منها لم يجز؛ لأنها مخصوصة عن حظر، فوجب الاقتصار على مدة الاستئناف والتخصيص، وقيل للإمام: اعقد الهدنة عشر سنين، فإذا انقضت والحاجة باقية استأنفها عشرًا ثانية، فإن عقدها على أكثر من عشر سنين بطلت الهدنة فيما زاد على العشر، وفي بطلانها في العشر قولان، من تفريق الصفقة.

أحدهما: تبطل إذا منع تفريقها.

والثاني: تصح إذا أجيز تفريقها، وهو المنصوص، وهكذا إن دعته الحاجة أن يهادنهم خمس سنين لم يجز أن يهادنهم أكثر منها، فإن فعل كان ما زاد على الخمس باطلًا، وفي بطلان الهدنة في الخمس قولان. ولو هادنهم عشر سنين لحاجة دعت إليها ثم ارتفعت الحاجة كانت الهدنة باقية إلي انقضاء مدتها بعد زوال الحاجة إليها، وإن لم يجز أن يبتدئ بها في هذه الحال التزامًا لما استقر من عقدها بقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة ١].

مسألة:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: "فإن أراد أن يهادن إلي غير مدة على أنه متى بدا له نقض الهدنة فجائز وإن كان قويًا على العدو كم يهادنهم أكثر من أربعة أشهر لقوله تعالى لما قوي الإسلام {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ} [التوبة ١] الآية. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر لا أعلمه زاد أحد بعد قوة الإسلام عليها".

قال في الحاوي: وهذا صحيح.

يجوز في الهدنة أن تكون غير مقدرة المدة: إذا علقت بشرط أو على صفة؛ يجوز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وادع يهود خيبر قال: "أقركم ما أقركم الله". ويكون الإمام مخيرًا فيها إذا أراد نقضها وليست من عقود المعاوضات التي تمنع الجهالة فيها، وإذا جاز إطلاقها بغير مدة لم يجز أن يقول لهم: أقركم ما أقركم الله، وإن قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر؛ لأن الله تعالى يوحي إلي رسوله مراده دون غيره، وكذلك لو قال: أقركم ما

<<  <  ج: ص:  >  >>