شئت فيجوز، ويكون موقوفًا على مشيئته، فيما يراه صلاحًا كم استدامة الهدنة أو نقضها فإن عقدها على مشيئتهم لم يجز، لأنهم يصيرون متحكمين على الإسلام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى": وإن عقدها الإمام عل مشيئته غيره من المسلمين جاز إذا اجتمعت فيه ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون من ذوي الاجتهاد في أحكام الدين.
والثاني: أن يكون من ذوي الرأي في تدبير الدنيا.
والثالث: أن يكون من ذوي الأمانة في حقوق الله تعالى وحقوق عباده. فإذا تكاملت فيه صلح وقوف الهدنة على مشيئته، وإن أخل بشرط منها لم يصح.
فإذا انعقدت نظر:
فإن كان من ولاة الجهاد عمل على رأسه في استدامة الهدنة بالموادعة أو نقضها بالقتال، لم يلزمه استئذان الإمام في الحالين، وإن لم يكن من ولاة الجهاد جاز له استدامتها بغير إذن الإمام، ولم يكن له نقضها إلا بإذن الإمام؛ لأنه موافق في الاستدامة، ومخالف في النقض، وإن كان كذلك لم يخل حاله وحال الإمام من أربعة أحوال:
أحدهما: أن يتفقا على استدامتها فتلزم.
والثاني: أن يتفقا على نقضها فتنحل.
والثالث: أن يرى المحكم نقضها، ويرى الإمام استدامتها، فتغلب استدامة الإمام ويصير كالمبتدئ بها.
والرابع: أن يرى المحكم استدامتها، ويرى الإمام نقضها، فينظر فإن كان لعذر يقلب نقض الإمام، وإن كان لغير عذر غلب استدامة المحكم كالمدة المقدرة.
ولو أطلق الهدنة من غير شرط، أو على غير صفة، فقال: قد هادنتكم لم يجز؛ لأن إطلاقها يقتضي التأبيد، وهو لو أبدها بطلت كذلك إذا أطلقها، وإذا أراد الإمام نقض العهد لم يبدأ بقتالهم إلا بعد إنذارهم وإعلامهم، لقول الله تعالى: {وإمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [الأنفال ٥٨].
مسألة:
قال الشافعي رحمة الله تعالى: "ولا يجوز أن يؤمن الرسول والمستأمن إلا بقدر ما يبلغان حاجتهما ولا يجوز أن يقيم بها سنة بغير جزية"؟
قال في الحاوي: قد مضى الكلام، وأن للرسول أمانًا يبلغ فيه رسالته، وأنه لا يعشر ما دخل معه من مال، وإن كان العشر مشروطًا عليهم؛ لأنه لما يتميز عنهم في أمان