للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسالة تميز عنهم في تعشير المال تغليبًا لنفع الإسلام برسالته، فإن انقضت رسالته فيما دون أربعة أشهر جاز أن يستكملها، ولم يجز أن يقيم سنة إلا بجزية، وإن لم تنقض رسالته إلا في سنة جاز أن يقيمها بغير جزية؛ لأن حكم الرسالة مخصوص في أحكام جماعتهم وهكذا الأسير إذا حبس في الأسر مدة لمصلحة رآها الإمام لم تجب عليه الجزية؛ لأن مقيم بغير اختيار، فصار مساويًا للرسول في سقوط الجزية ومخالفًا في العلة.

مسألة:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ولا يجوز أن يهادنهم على أن يعطيهم المسلمون شيئًا بحال لأن القتل للمسلمين شهادة وأن الإسلام أعز من أن يعطى مشرك على أن يكف عن أهله لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال يخافون الاصطلام فيعطون من أموالهم أو يفتدي مأسورًا فلا بأس لأن هذا موضع ضرورة".

قال في الحاوي: وهذا صحيح، والأولى من الهدنة أن تعقد على مال يبذله المشركون لنا إذا أجابوا إليه، فإن تعذرت إجابتهم إليه، ودعت الحاجة إلي مهادنتهم على غير مال جاز؛ فأما عقدها على مال يحمله المسلمون إليهم، فلا يجوز، لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأهله، وأظهره على الأديان كلها، وجعل لهم الجنة قاتلين ومقتولين، لقول الله تعالى: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ} [التوبة ١١١] فلم يجز مع ثواب الشهادة وعز الإسلام أن يدخلوا في ذل البذل وصغار الدفع ما لم تدع ضرورة إليه، فإن دعت إليه الضرورة وذلك في إحدى حالتين.

إما أن يحاط بطائفة من المسلمين، في قتال أو وطء يخافون مع الاصطلام، فلا بأس أن يبذلوا في الدفع عن اصطلامهم مالًا، يحقنون به دمائهم قد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الخندق أن يصالح المشركين على الثلث من ثمار المدينة، وشاور الأنصار، فقال: إن كان هذا بأمر الله سمعنا وأطعنا وإن كان بغير أمره لم نقبله.

وروى أبو سلمة عن أبي هريرة أن الحارث بن عمرو الغطفاني رئيس غطفان قال النبي صلى الله عليه وسلم إن جعلت لي شطر ثمار المدينة وإلا ملأنها عليك خيلًا ورجلًا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى استأذن السعود"، يعني سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسعد بن زرارة فاستأمرهم فقالوا: إن كان هذا بأمر من السماء، فنسلم لأمر الله، وإن كان برأيك، فرأينا تبع لرأيك وإن لم يكن بأمر من السماء، ولا برأيك فوالله ما كنا نعطيهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>