أحدها: وهو مذهب أبي حنيفةَ يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول، ولا يجوز تعجيل الكفارةَ قبل الحنث.
والثاني: وهو مذهب مالك، لا يجوز تعجيل الزكاةَ قبل الحول ويجوز تعجيل الكفارةَ قبل الحنث.
والثالث: وهو مذهب الشافعي أنه يجوز تعجيل الزكاةَ قبل الحول، ويجوز تعجيل الكفارةَ قبل الحنث إذا كانت بمال من كسوةً أو إطعام أو عتق، فلا يجوز تعجيلها إذا كانت بصيام.
وقال أحمد بن حنبل: يجوز تعجيلها قبل الحنث بمال أو صيام.
فأما مالك فهو موافق في تعجيل الكفارةَ مخالف في تعجيل الزكاةَ، وقد مضى الكلام في موضعه.
وأما أبو حنيفةً فقد مضى الكلام معه في تعجيل الزكاةً، ويتعين الكلام معه هاهنا في تعجيل الكفارةً قبل الحنث. وله في الاستدلال طريقان:
أحدهما: المنع عن تعجيل الكفارةَ قبل الحنث.
والثاني: أن الكفارةَ تجب بالحنث وحده دون اليمين، واستدل على المنع من تعجيلها بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أنه قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه" فكان له من الخير دليلان:
أحدهما: قوله: "فليأت الذي هو خير منها" فقدم فعل الحنث على الكفارةً عرق الفاء الموجب للتعقب.
والثاني: قوله: (ثم ليكفر عن يمينه" وثم موضع للتعقيب والتراخي.
ومن القياس أن يكفر قبل الحنث فلم يحرم كالصيام. ولأن كل حال لا يجوز التكفير فيها بالصيام لم يجز التكفير فيها بالمال قياسًا على ما قبل اليمين، واستدل على وجوب الكفارةَ بالحث وحده دون اليمين بأمرين:
أحدهما: أن الحنث ضد اليمين، لأن اليمين تمنع من الحنث، والضدان لا يشتركان في معنى الوجوب لتنافيهما.
والثاني: أن الحنث لو كان أحد السببين في الوجوب لما روعي بعد عقد اليمين إحداث فعل من جهةً، كما لا يراعى في الحول بعد النصاب إحداث فعل من جهتهِ، ولما روعي في الكفارةَ حدوث فعل الحنث من جهتهِ دل على أن فعل الحنث هو الموجب للكفارةً كما نقول: إن الظهار وإن لم يكن إلا بعد عقد النكاح لما كان بفعل حادث منه، كان الظهار هو الموجب للكفارةً، دون النكاح.