الشافعي رضي الله عنه هنا وقال الله تعالى في الإمساك والفراق {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: الآية (٢)] فانتهى إلى الشاهدين ودل على ما دل قبله من نفي أن يجوز فيه إلا رجال لا نساء معهم لأنه لا يحتمل إلا أن يكونا رجلين وقصد بهذا أنه لا يقبل في الرجعةً والطلاق إلا شاهدان ذكران ولا مدخل للنساء في ذلك لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: الآية (٢)] في الرجعة فانتهى إلى شاهدين، وقوله: ودل على ما دل قبله أي ودلت هذه الآية على مما دلت عليه آية الربا في أول الباب أن النساء لا مدخل لهن فيها وكذلك النكاح والخلع والعتق والقصاص والقذف والعتق والنسب والكناية والتدبير وعقد الوكالة والوصية، فلا يقبل فيها شهادة النساء وبه قال مالك والأوزاعي والنخعي وقال الحسن البصري لا يجيزه بشهادة النساء على الطلاق [١٢/ ١٠٨ ب] وروي نحوه عن النخعي.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: يقبل في ذلك شاهد وامرأتان واحتج الشافعي رضي الله عنه بما ذكرنا، ثم قال: وقال الله تعالى في آية الدين: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: الآية (٢٨٢)]. ولم يذكر في شهود الزنا ولا الفراق ولا الرجعة امرأةً ووجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا على مال، والطلاق والرجعةً تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال وهذا لفظ مشكل وأراد أن الطلاق تحريم شيء بعد التحليل، والرجعة تثبيت، تحليل وكلاهما ليسا بمال، والوصيةً إلى الموصى له قيام بما أوصى به إليه لا أن له مالًا، يعني لا تثبت ولاية التوصيةً بشاهد وامرأتين، كما لا يثبت الطلاق والرجعة خلافًا لأبي حنيفة، ثم قال: ولا أعلم أحدًا من أهل العلم يخالف في أنه لا يجوز في الزنا إلا الرجال وأكثرهم قال في الطلاق ولا في الرجعة إذا تناكر الزوجان، وقالوا في ذلك في الوصية وأراد الوصاية إليه فكان ذلك كالدلالةً على ظاهر القرآن وكان أولى الأمور أن يصار إليه ويقاس عليه وهذا تنبيه للقياس على الزنا فكأنه قاس ما عدا الأموال على الزنا.
وقوله لا أعلم أحدًا من أهل العلم يخالف لعله يريد به الصحابة رضي الله عنهم، فأما من بعدهم فالكافة على ذلك إلا عطاء وحماد على ما ذكرنا. [١٢/ ١٠٩ أ] ثم قال: والدين فما أخذ المشهود له مالًا جازت فيه شهادة النساء مع الرجال وما عدا ذلك فلا يجوز إلا الرجال.
وذلك مثل الفروض والبياعات والإجارات والوصية بالمال والإقرار بالمال والإقرار بالإتلافات والغصوب والآجال التي يقصد بها استحقاق المال وسائر الثلاث وقبل الخطأ والعمد الذي لا يوجب القصاص مثل قتل الحر عبدًا ونحو ذلك، وكذلك إثبات الإقالة والرد بالعيب وضمان المال وإثبات قبض نجوم الكتابةً إلا النجم الأخير ففيه وجهان: