والثاني: الطاهر في نفسه المطهر لغيره، فهو اسم متعدٍ، وهو المراد به هاهنا لقوله تعالى في آية أخرى:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}[الأنفال: ١١].
والثالث: ماء يتطهر به كالفطور ما يفطر به، والسحور ما يتسحر به.
وقال أبو حنيفة، والأصم، وأبو بكر بن أبي داود: المراد به الطاهر، وهو اسم لازم غير معتد، وفائدة الخلاف أنه لا يجوز التطهير بغير الماء لرفع الحدث ولرفع الخبث عندنا، وعند أبي حنيفة يجوز رفع الخبث بغير الماء، وهذا غلط؛ لأنه لم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التوضأ بماء البحر، قال:"هو الطهور ماؤه" فنقلوا منه أنه يتطهر به لأنه طاهر، ولأن أهل اللغة يطلقون اسم الطهور على ما يوجد فيه التطهير، يقولون: ماء طهور، وتراب طهور، ولا يقولون خل طهور، ولا زيت طهور. فدل على ما قلناه.
وقال مالك وأصحاب الظاهر: الطهور هو ما يتكرر منه الطهر، حتى لا يحكم لكما
بالاستعمال، كما يقال: صبور شكور أي يتكرر منه الصبر والشكر.
وأما الخبر الذي ذكره هو مختصر مما رواه الشافعي بإسناده عن أبي هريرة: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن نركب أرماثًا لنا في البحر، ونحمل معنا القليل من الماء لشفاهنا، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي [٢٠ أ/ ١] صلى الله عليه وسلم "هو الطهور ماؤه الحل مييته" والأرماث: هي خشب يضم بعضها إلى بعض ويركب عليها في البحر. وفي رواية:"إن العركي قال: يا رسول الله، إنا نركب" والعركي: هو الصياد. وقال الشافعي:"هذا الحديث هو نصف علم الطهارة".
فإن قيل: لو قال نعم كفاه، فما الفائدة في تطويل الكلام؟ قيل: لأنهم سألوه عن حال الضرورة، فلو قال: نعم لم يستفيدوا من ذلك حكمه في حال الرفاهية، فأخبر أنه طهور بكل حالٍ.
فإن قيل: وكيف أجاب عن الميتة ولم يسئل عنها؟ قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ناصب الشرع، فله أن يبتدئ البيان من غير سؤال، غير أنه لما رآهم يجهلون أمر الماء مع الآية الظاهرة عرف أنهم ... بطهارة ميتة وحلها مع قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[المائدة: ٣]، أجهل، فأجاب عما سألوا، وعما عرف أنهم يجهلونه، وهذا كما روي أن أعرابيًا أساء الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"توضأ كما أمرك الله"؟ ثم علمه