وفرّع الشافعي رحمه الله على هذا ثلاث مسائل في"الأم", إحداها: إذا كانت لرجل خمس وعشرون من الإبل فحالت عليها ثلاثة أحوال ولم يخرج ولم يخرج منها فإنه يلزمه في السنة الأولى ابنة مخاض, وفي السنة الثانية أربع شياه, وكذلك في السنة الثالثة والثانية إذا كانت له إحدى وتسعون من الإبل أمسكها ثلاثة أحوال يلزمه في السنة الأولى حقتان, وفي السنة الثانية بنتا لبون, وفي الثالثة بنتا لبون, والثالثة: إذا كانت له مائتان وشاة فله ثلاثة أحوال يلزمه في السنة الأولى ثلاث شياه, وفي الثانية شاتان, وفي الثالثة شاتان, وعلى قوله القديم: إن قلنا: إن الدين يمنع وجوب الزكاة فعلى ما ذكرنا, وإن قلنا: لا يمنع فعليه في المسألة الأولى ثلاث بنات مخاض, وفي الثانية ست حقاق, وفي الثالثة تسع شياه.
مسألة: قال: ولو ضَلَّتْ أو غَصَبَهَا أحوالاً فوَجَدَهَا زّكَّاها لأحوَالِهَا.
وهذا كما قال: إذا كان له مال من النقد فضاع أو غصب عليه أو جحده المودع أو سرق أو وقع في بحر أو دفنه في موضع ونسي موضعه لا يجب عليه إخراج الزكاة عنه قولاً واحدًا, لأنه لا يجوز أن يكلف [٤٨ ب/٤] إخراج مال حاضر مقدور عليه عن مال هو يحول دونه ولا يتمكن منه وهل تجب فيه الزكاة أم لا؟ فيه قولان: قال في "الجديد": يجب وبه قال أحمد في رواية وهي الصحيح, لأنه من جنس الأموال النامية فتجب الزكاة فيه, وإن لم يحصل النماء لذكر المواشي, وقال في"القديم": لا تجب لأنه لا نماء والزكاة تجب بمعنى النماء ولأنه ناقص التصرف فيه فلا زكاة فيه كمال المكاتب, وبه قال أبو حنيفة, إلا أنه قال: إذا دفنه ونسي موضعه يلزمه الزكاة لأنه مفرط, وقال القاضي أبو حامد: هذا أشبه القولين: ومن أصحابنا من قال: يلزم الزكاة في المدفون إذا نسي موضعه قولاً واحدًا, لأنه منسوب إلى التفريط في غفلته وإليه يميل ابن أبي هريرة, ومن: بهذا هل يلزمه إخراج زكاته قبل وجدانه؟ فيه وجهان, والصحيح أنه لا يلزمه ذلك لأنه في حكم المغصوب ولا اعتبار بالتفريط كما في البضائع والتائه مفرط أيضًا على هذا الوجه, ومن أصحابنا من قال: يجب قولاً واحدًا وهو الذي نص هاهنا, وإنما قال في "القديم": في المال الضال لا يجوز إلا واحدًا من قولين على ما نقل المزني بعد هذا ردًا [٤٩ أ/٤] على مالك حيث قال: تجب للعام الأول دون ما بعده من الأعوام فقال الشافعي: القياس ما قلت أو ما قال أبو حنيفة, وقول مالك لا وجه له وهذا على أصله صحيح لأنه يقول: الوجوب هو بحلول الحول, وإمكان الأداء ولا يبتدي الحول الثاني إلا من يوم إمكان الأداء, وهاهنا لم يحصل إمكان الأداء إلا بعد الأحوال فلم تجب الزكاة إلا مرة.
وذكر القاضي الإمام علي الزجاجي الطبري في"زيادة المفتاح" هذا القول لنا وجعل في المسألة ثلاثة أقوال وانفرد هو بهذا فإذا قلنا: لا تجب زكاته خرج من ملكه فمتى عاد إليه استأنف الحول, وإذا قلنا: يجب فالحول بحاله فمتى عاد إليه أخرج الزكاة بجميع ما مضى, وإن كان في أثناء الحول زكى المال بعد تمام الحول ومن أصحابنا من قال: على القول الأول إذا عاد إليه لا يستأنف الحول بل يبنى فلو مضت