للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الولاية بل جهة النيابة عن المستحقين وحثا عن الخروج عن حقوقهم لأنهم من أهل الرشد ولا تثبت عليهم الولاية وهل الأفضل أن يفرقها بتقسط أم يدفعها إلى غيره ليفرقها عنه؟ ينظر فإن كان ذلك الغير وكيلًا فالأفضل أن يفرقها بنفسه لأنه على يقين من فعل نفسه وهو في شك من فعل غيره ومعناه أن فعل الدفع إلى من هو مستحق لها في الظاهر يقين، فأما أن تكون وقعت موقعًا يقينًا فلا لأنه يعمل فيها بغالب الظن في الظاهر وزاد الشافعي في قسم الصدقات فقال: يجوز لأنه المحاسب بها والمسئول عنها، وإن كان الغير هو الإمام لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون عادلًا أو جائرًا فإن كان عادلًا، فالمذهب إن دفعها إليه أفضل لأن ذمته تبرأ [٩٢ أ/٤] بذلك عن الزكاة قطعًا والإمام أبعد من الخطأ في قسمها وأعرف بحال المستحقين وأراد الشافعي بما ذكر هاهنا إذا أراد الدفع إلى الوكيل أو أراد أن يتولى الدفع إلى الإمام بنفسه ولا يكله إلى غيره، ومن أصحابنا من قال: الأفضل تفريقها بنفسه أيضًا كما نص عليه هاهنا ليكون له إجراء التفريق والتكلف، كذلك بنفسه وهذا ليس بشيء لأنه علل فقال: لأنه على يقين من أدائها وهذا في الدفع إلى الإمام موجود وزيادة على ما ذكرنا، وإنما يقع الشك في الدفع إلى الوكيل، ومن أصحابنا من قال: أراد الشافعي هاهنا زكاة أمواله الباطنة فأما زكاة أمواله الظاهرة فالأفضل دفعها إلى الإمام، لأن الشافعي قال في آخر قسم الصدقات: ويعطي الولاة زكاة الأموال الظاهرة الثمر والزرع والمعدن والماشية، فإن أعطاهم زكاة التجارة والفطر والركاب أجزأتهم إن شاء الله.

وإن كان الإمام جائرًا فاسقًا. قال صاحب "الإفصاح": فيه وجهان، إحداهما الأفضل أن يفرقها بنفسه لأنه ليس بموضع الأمانة لما ظهرت منه الجناية، والثاني: يدفعها إليه أيضًا وليس عليه من إثمها شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم [٩٢ ب/٤] قال: "سيكون بعدي أمورًا تنكرونها فقالوا: يا رسول الله فما تأمرنا قال: أدوا حقهم وسلوا الله حقكم" (١) وقال في "الحاوي" (٢): للإمام أربعة أحوال، أحدها: أن يكون عادلًا في الزكاة وفي غيرها، فالأفضل دفعها إليه، والحالة الثانية: أن يكون عادلًا في الزكاة جائرًا في غيرها فيه وجهان، إحداهما: دفعها إليه أولى أيضًا لأنه روى عن سهل بن صالح عن أبيه أنه قال: سألت سعيد بن مالك وقلت: عندي مال مجتمع يعني من مال الصدقة وهؤلاء القوم كما ترى فما أصنع به؟ قال: ادفعه إليهم، قال: وسألت أبا سعيد الخدري فقال مثل ذلك، وسألت أبا هريرة فقال مثل ذلك، وسألت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك، والثاني: يفرقها بنفسه أولى، وإن كان جائرًا في الزكاة وغيرها أو جائرًا في الزكاة عادلًا في غيرها لا يجوز دفعها إليه وتفريقها بنفسه فإن دفعها إليه لم يجز، لأنه لم يصل إلى المستحق وهذا حسن.


(١) أخرجه البخاري (٤/ ٢٤١)، وأحمد (١/ ٣٨٤)، والبيهقي في "الكبرى" (١٦٦١٥).
(٢) انظر الحاوي للماوردي (٣/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>