للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه يضمن فعلى هذا له التبسط في الكل والزكاة في ذمته, وروي نحو قولنا في جواز الخرص التضمين عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعطاء والزهري ومالك وأبي ثور رحمهم الله, وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة: لا معنى للخرص إلا أن أصحاب أبي حنيفة هربوا من الأخبار المروية في الخرص, فقالوا يجوز لتخويف رب المال أن تبسط فيه فيتلف شيئًا منه فأما .... (١) فلا. واحتج الشافعي بخبر عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكرم: "يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدي زكاته زبيبًا كما تؤدى زكاة النخل تمرًا" (٢) , فدل أن خرص النخيل كان معروفًا عندهم معمولًا به ولذلك شبه رسول الله [١١٣ ب/٤] صلى الله عليه وسلم الكرم فيه بالنخل إذ الكرم لم يكثر عندهم كثرة النخل ثم احتج بقصة خيبر وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود حين افتتح خيبر: "أقركم على ما أقركم الله على أن التمر بيننا وبينكم", وبعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه خارصًا وتمام هذه القصة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة وأحلى منها اليهود وقسم تلك النخيل بين الغانمين من المسلمين فلم يهتدوا إلى إصلاحها ونقصت ثمارها فجاءت اليهود مستأمنين وقالوا: نحن أعرف بأمر هذه النخيل فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أقركم" أي: في هذه النخيل "ما أقركم الله" أي: ما لم يأمرني الله بإخلائكم وإخراجكم, وإنما قال ذلك لأنهم كانوا لا يرون النسخ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لهم حجة غدًا إن أراد إخراجهم بأن يقولوا بيننا وبينكم أي: ساقاهم على هذا الشرط وهو أن تكون الثمرة بين المسلمين وبينهم نصفين فأخذوا على هذا الشرط فلما طابت الثمار بعث إليهم عبد الله بن رواحه ليخرصا عليهم وكانت أم عبد الله خيبرية فلما سمعت اليهود بأنه مقدم عليهم ليخرص استقبلوه وأهدوا إليه حلى نسائهم ليخفف [١١٤ أ/٤] عليهم في الخرص فلم يقبل عبد الله هديتهم وقال: هذا سحت في ديننا فأرادوا أن يستدرجوه بالكلام, فقالوا له: أن أحب من تقدم علينا من هذه الجهة, فقال عبد الله: أما أنا فقد قدمت من عند من هو أحب من نفسي التي بين جنبي وقدمت على قوم هم أبغض على من القردة والخنازير فقالوا له: إذًا لا يمكنك أن تعدل بيننا فقال عبد الله حبي إياه لا يطلق إلى الميل إليه وبغضي إياكم لا يحملني أن أجور عليكم إني إنما أحبه في ذات الله وأبغضكم في ذات الله, فقالوا بهذا قامت السموات والأرض ثم إنه خرص عليهم أربعين ألق وسق وروي أكثر فقالوا له: أجحفت بنا أي ثقلت الخرص علينا, فقال لهم: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي يعني إن شئتم أخذت منكما بهذا الخرص ورددتم نصف ما خرصته من الثمن وإن شئتم أخذت منكم بهذا الخرص ورددت نص ما خرصت من الثمن فقالوا بهذا قامت السموات والأرض أي


(١) مضع النقط بياض بالأصل.
(٢) أخرجه أبو داود (١٦٠٣) , والترمذي (٦٤٤) , والنسائي (٢٦١٨) , وابن حبان (٣٢٦٧) , والدارقطني (٢/ ١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>