لما روى علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" العينان وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء، فمن نام فليتوضأ" وأراد [١٠٥/ ١] باستطلاق الوكاء: خروج الحدث والنائم في الغالب، ولأن الظاهر من النائم خروج الحدث، ويجوز النفل عن الأصل، فالظاهر كما أن الأصل براءة الذمة ويجوز سلفها بقول الشاهدين وخبر الواحد، ولو نام قائمًا قال في"الأم" يجب الوضوء وقال في"البويطي": إذا نام قائمًا فزالت قدماء عن موضع قيامه فعليه الوضوء بظاهرة أنه إذا لم تول قدماء لا يجب الوضوء، فمن أصحابنا من قال فيه قولان، وقيل: قول واحد: ينتقض، وما قاله في"البويطي": أراد أنه يمكن منه النوم حتى زالت قدماء، ولم برد به مفهومه، وهذا هو الصحيح. والنوم الثاني أن ينام زائلًا عن مستوى الجلوس في الصلاة إما راكعًا أو ساجدًا أو قائمًا. اختلف قول الشافعي فيه قال في"القديم": لا ينتقض الوضوء؛ لأنه يشق على المتهجدين، وبه قال في
مالك، وابن المبارك والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا نام العبد في سجوده باهى الله الملائكة فيقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده بيدي" فدل على أنه لا يبطل سجوده به. وقال في
"الجديد": ينتقض الوضوء وهو الصحيح للخير الذي ذكرناه، والقصد بإخبارهم مدحه على الاجتهاد ومكابدة النوم، بدليل أن النائم لا يمدح على الفعل ولا يذم. وقال أبو حنيفة: ولا وضوء على من نام على حالة من أحوال الصلاة في حال الاختبار [١٠٥ ب/ ١]، سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة. واحتج بما روى ابن عباس-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا وضوء على من نام قائمًا أو راكعًا أو ساجدًا، إنما الوضوء على من نام مضطجعًا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله" قلنا هذا لا يصح، لأن رواية أبو خالد الدلاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن العباس، ولم يسمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، وليس هذا منها، وأبوا العالية ضعف، أو تحمله على النعاس بدليل العلو وهي أنه قال:"فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله" والساجد تسترخي مفاصله.
وحكى عن أحمد أنه قال: إن كان يسيرًا لا ينتقض وضوءه، وإن كثر ينتقض وضوءه". وكذلك قال في نوم القاعد. ووافقنا في المضطجع أنه ينتقض قليلًا كان أو كثيرًا فيقيس عليه. والثالث: أن ينام جالسًا معتدًا على الأرض بإليتيه فلا ينتقض الوضوء قليلًا كان أو كثيرًا، متربعًا كان أو غير متربع قولًا واحدًا.