للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبر آخر مفسرًا صيام يوم عرفة يكفّر سنة قبلها وسنة بعدها، ولا يوجد في ثواب شيء من العبادات أن يكون تكفير ذنوب زمان لم يأت بعد، وإنما حض الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ ومَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢]، وقيل: أراد به أنه كفارة سنتين ماضيتين وقيل: صوم يوم عرفة هو أفضل من كل يوم يتطوع به الإنسان لهذا المعنى، وقال زؤيبة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا في يوم عاشوراء أن نتفل في أفواه الصبيان، وقال: "لا تسقوهم شيئًا إلى الليل ".

قال أصحابنا: ويستحب أن يصوم اليوم التاسع من المحرم مع اليوم العاشر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صام يوم عاشوراء وأمر الناس بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان في العام المقبل صمنا اليوم التاسع "ثم لم [٣٤٤ أ/ ٤] يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) وأراد بقوله صمنا اليوم التاسع أي: مع العاشر.

وقال بعض أصحابنا: الأكمل أن يصوم اليوم التاسع معه فإن لم يصمه يصوم الحادي عشر معه حتى يخالف اليهود وإذا قلنا: يؤمر به احتياطًا لما روى شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه كان يصوم عاشوراء يومين يوالي بينهما مخافة أن يفوته (٢). فعلى هذا لو لم يصم التاسع لا يصوم الحادي عشر بدله، وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عشت إن شاء الله إلى قابل صمت التاسع مخافة أن يفوتني يوم عاشوراء "، وقيل: أمر بصوم يوم تاسوعاء للاحتياط من أن يخرج ذو الحجة ناقصًا وهو لا يعلم ذلك فيفوت عنه صوم العاشر ومن العلماء من قال: صوم يوم عاشوراء هو صوم اليوم التاسع من المحرم وهذا غلط لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة وجد اليهود يصومون يومًا فقال: "ما هذا "قالوا يوم أنجى الله تعالى فيه موسى عليه السلام وأغرق فرعون فقال: "أنا أحق بموسى منهم "فأمر مناديه "ألا من [٣٤٤ ب/ ٤] أكل فليمسك بقية نهاره ومن لم يأكل فليصم (٣) "، وكان غرق فرعون في اليوم العاشر من المحرم، وروي أنه "سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اليوم الذي يصومون فيه فقالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وأغرق فرعون فسكت حتى أصبح يوم عاشوراء فأمر الناس بالصيام وأخبر .... (٤) موسى هذا وإن اليهود ضلوا عنه كما ضلوا عن يوم الجمعة "قال القفال: وهذا أصح لأن اليهود لا يصومون الآن يوم عاشوراء بل يصومون يومًا آخر وقد ذكرنا أنه لم يكن واجبًا قط، وهو ظاهر المذهب لما روى الشافعي عن حميد بن


(١) = (٨٨١)، وفي "معرفة السنن" (٢٥٧٤).
() أخرجه مسلم (١٣٣/ ١١٣٤)، والبيهقي في "الكبرى" (٨٤٠١).
(٢) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٤٠٢).
(٣) أحرجه البخاري (٣٢٩٧، ٣٩٤٣، ٤٦٨٠، ٤٧٣٧)، ومسلم (١٢٧/ ١١٣٠).
(٤) موضع النقط بياض بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>