المذهب أنه لا يلزمه الرجوع عن البذل، لأنّه متبرع بالبذل، فلا يلزمهُ حكم كما لو بذل له الماء للطهارة له الرجوع قبل الإقباض، وعن أصحابنا عن قال: يلزمه ذلك، وليس له لرجوع لأن بذل الطاعة للحج أوجب عليه فرض الحج عند قبوله، ويفارق بذل الماء لأنه لا يوجب الطهارة بل يغير صفة الفرض، ولأن هناك إذا رجع يرجع إلى بدل، وهو التيمم بخلاف ههنا، قال صاحب" الحاوي"(١): وهذا هو المذهب، وعندي الأصحّ ما سبق، لأنه وإن وجب عليهِ الحجّ بطاعته لا يلزم هذا المطيع أن يحجّ عنه، وقوله: أحجّ عنك وعدًا لرد، فلا يلزم بمجرده.
فَرْعٌ آخرُ
من يرجو مباشرة الحجّ بنفسه لا يلزمه الحج ببذل الغير له الطاعة والمجنون لا يحجّ، ولا يحجّ عنه أيضًا لأنه يرجى إفاقته، وأداؤه بنفسهِ، وأمّا المريض الذي لا يستمسك في الحال على الراحلة، ولكنه يرجى زوال مرضه لا يجوزُ له أن يحجّ غيره عن نفسه، وإن كان محرمًا، وبه قال أحمد. وقال أبو حنيفة: يجوز له أن يستأجر من يحجّ عنه كالمعصُوب، وإن كان يرجو سلامته، ثم إن صحّ لم يجز عن فرضه. وهذا غلط لأنه غير ميؤوس من أدائه بنفسه كالفقير، [١٣/أ] وكذلك الخلاف إذا كان مجنونًا لا يرجو خلاصه.
فَرْعٌ آخرُ
لو خالف وجهز من يحجّ عنه فإن برا من مرضه تلزمه إعادة الحج قولًا واحدًا، وإن مات من ذلك المرض، أو صار ميئوسًا منه هل يجزئه؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجزئه وتلزمه الإعادة، قال الشافعي: وبه أقول، وهو الصحيح لأنه أحج غيره في حال لم يجز له ذلك، فلا يعتدّ به.
والثاني: يجزئه ولا تلزمه الإعادة لأنه لما اتصل به الموت تبينا أنه كان ميئوسًأ منه.
فَرْعٌ آخرُ
لو مرض مرضًا لا يرجى زواله وشهد بذلك طبيبان ملمان عدلان جاز له أن يحج غيره عن نفسه، فإن أحج غيره عنه، ثم مات من علته أجزأه، وإن برأ من علته نصّ الشافعي أنه يعيد الحج لأنا جوّزنا له ذلك على ظنّ أنه لا يقدر على الحج، فإذا برأ أيقنا الخطأ فيما ظننا، فيبطل ذلك كالحاكم إذا حكم بخلاف النصّ ينقض حكمه ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه إعادة الحج في أحدِ القولين بناء على المسألة قبلها، لأن هناك اعتبرنا في أحد القولين حالة الابتداء، فعلى هذا لا يلزمه الإعادة ههنا وفي القول الثاني، اعتبرنا المال هناك، فيلزم ههنا الإعادة على هذا وهذا لا يصحّ بل ههنا وفي قول واحد لا يجوز وتلزمه الإعادة لأنا وإن اعتبرنا الابتداء، فقد بينا بحدوث البراءة أنه لم يكن في تلك الحالة آيسًا من مباشرة الحج ينسه، فلا يجوز بحال. وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه قولان مبنيان على أنهم إذا رأوا سوادًا فظنّوه عدوًا، فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان خلافه هل تلزم