للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحمد لا عبرة بالنسوة الثقات ولا يلزمها إلا مع زوج أو ذي رحم محرم، وربما يقولون: يجبُ من غير وجود المحرم، ولا يلزم الخروج إلا مع المحرم [٢٠/ أ]، وكذا عن أحمد في رواية، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلّ لامرأة مسلمة أن تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها» (١)، وبهذا قال النخعي والحسن وأحمد وإسحاق وهو اختيار أبي سليمان الخطابي. وهذا غلط لظاهر الآية وهي تصير مستطيعَة بما ذكرنا، والخبر محمول على سفر التطوع، أو إذا لم يحصل الأمن إلَّا به، وقال القفالُ: لا بدّ أن يكون لإحداهن محرم حتى إذا استعانت هذه بتلك استعانت تلك بمحرمها، لأنه إذا لم يكن لإحداهن محرم، فكثرة النساء زيادة عورة وضعف، فلا يجوز لهن الخروج.

وهكذا حكم الخلوة، فإن نسوة لو خلون برجل وإحداهن برجل وإحداهن محرم له جاز، وإلا فلا، وكذلك لو خلت امرأة برجال وأحدهم محرم لها جاز، وإلا فلا حتى لو خلا عشرون رجلًا بعشرين امرأة وإحداهن محرم لأحدهم كفي ذلك، وقد نصّ الشافعي على أنه لا يجوز للرجل أن يؤم بنساء مفردات، فيصلي بهن إلا أن تكون إحداهن محرمًا له، وهذا حسنٌ، ولكنه خلاف النصّ. والدليل على صحة اعتبار الجمع منهنّ أن أطماع الرّجال ينقطع عنهُن إذا كثرن وصرن جماعة، فيحصل الأمن لهنّ، ولا يؤدي إلى الفساد، وهذا معروف العرف المستقيم الجاري.

فَرْعٌ

قال أبو حامدٍ: لا تخرج في السّفر المباح إلا مع محرمها، ولا تخرج مع النسوة الثقات نصّ عليه، وهو المذهب لأن سفر الحج آكد لكونه فرضًا من غيره، ومن أصحابنا وجهًا آخر أنه وسفر الفرض سواء، وليس بشيء، وقال القفال: جميع الأسفار في هذا سواء، ومذهب الشافعي أنه لا يشترط المحرم في شيء منها، وهذا أصحّ، [٢٠/ ب] وأقيس عندي.

فَرْعٌ آخرُ

لو كانت المرأة في دار الحرب عليها أن تهاجر إلى دار الإسلام وحدها ومع محرم سواء كانت الطريق مسلوكة أو لا، إن أمكنها ذلك بخلاف الخروج للحج، لا يلزم إذا كانت الطريق، غير مسلوكة؛ لان ذلك انتقال من الخوف لقصد الأمن فلا بأس، وإن كان الخوف في الطريق والسفر إلى الحج انتقال من الأمن فلا يجب إلا أن يكون الأمن موجودًا في الطريق.

مَسْألَةٌ: قالَ (٢): وروي عن عطاء وطاوس أنهما قالا: الحجة الواجبة من رأس المال، قال: الحجة الواجبة من الميقات لا من بلده لأن الحج إنما يجب من الميقات، وما وراءه فإنما هو نسب إليه، فبعد الموت يقضي عنه من ذلك الموضع واستأنس الشافعي في ذلك بقول عطاء وطاوس رضي الله عنهما، ثم قال: وهو القياس


(١) أخرجه البخاري (١٩٩٥)، ومسلم (٤١٣/ ١٣٣٨).
(٢) انظر الأم (٢/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>