ويقع عن غيره، وبه قال الحسن وعطاء والنخعي. وقال سفيان الثوري: إن أمكنه أن يحج عن نفسه ليس له أن يحج عن غيره، وإن لم يمكنه ذلك يجوز له أن يحج عن غيره. وهذا غلط لما ذكرنا من خبر شبرمة، وروي فيه:"اجعل هذا عن نفسك ثم حج عن شبرمة". وأدعى أصحاب أبي حنيفة بأنه مرسل غير متصل، وأن هذا القصة جرت بين ابن عباس وبين شبرمة لا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين شبرمة، لأن الشافعي روى ههنا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهذا غير صحيح، لأن الشافعي رواه موصولا، وذلك أنه قال: عن ابن عباس أنه سمع رجلاً، والهاء من قوله أنه كناية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن ابن عباس، ولو قال: وروى ابن عباس أنه سمع رجلاً لكان كلاماً مستقيماً، فحسنت هذه الكناية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: الظاهر من لفظ "المختصر" أن الشافعي وقفه على ابن عباس، ووجه دفع هذا السؤال أن يقال: قد روى جماعة هذا الخبر عن ابن عباس موقوفاً، ورواه أبو قلابة عن ابن عباس مرفوعاً فثبت مسنداً. فإن قيل:[٢٢/ب] وهل تتفق قصتان لشبرمتين تتفقان من أولهما إلى آخرهما فهذا نوع يضاد الرواية. قلنا لا ندعي قصتين لشبرمتين، ولكنا متى وجدنا حديثاً يرسله بعد الرواة ويسنده بعضهم، والحديث حديث واحد، فمتابعة المسند أولى من متابعة المرسل، لأنه إثبات زيادة والزيادات في أسانيد الأخبار ومتونها مقبولة عن الثقات بالإجماع.
فرع
قال أصحابنا: ويستحب أن يحج بعد حجة الإسلام حجة ثانية عن نفسه ثم يشتغل بالنيابة عن غيره ليكون قد قدم نفسه في الفرض.
فرع آخر
إذا حج عن نفسه حجة الإسلام ولكن عليه حجة أخرى، أما بالنذر أو بالقضاء لا يجوز له أن يحج عن غيره، فإن حج انصرف ذلك إليه ولا أجرة له.
فرع آخر
لو كانت عليه حجة الإسلام وحجة منذورة لم يجز له تقديم الحجة المنذورة على حجة الإسلام، فإن أحرم بالمنذورة أولاً انعقد عن حجة الإسلام، وهكذا إذا مات فاستأجر وليه من يحج عنه الحجة المنذورة قبل حجة الإسلام وقعت عن حجة الإسلام دون المنذورة، وتقدم حجة القضاء على المنذورة على هذا الوجه الذي ذكرنا، وتقدم حجة الإسلام على حجة القضاء أيضا، وإنما يتصور اجتماع حجة الإسلام وحجة القضاء في مسألة واحدة لا نظير لها، وهي أن يحرم العبد البالغ بحج ثم يجامع، فإذا أكمل أفسده وعتق ووجد مالاً تجب حجة الإسلام والقضاء في ذمته قبل ذلك.
فرع آخر
إذا قلنا العمرة واجبة فحكمها حكم الجمع فيما ذكرنا، فإذا كانت عليه عمرة الإسلام لا يعتمر عن غيره، فإن اعتمر عن غيره كانت عنه، وإن حج ولم يعتمر له إن يحج عن غيره ولا يعتمر [٢٣/أ] عن غيره، ولو اعتمر ولم يحج، له أن يعتمر عن