للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحرام إنما هو أشهر الحج التي ذكرها الله تعالى في قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧]، وتفسير هذه الأشهر ما ذكره الشافعي بعد الآنية، وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة، وهو يوم عرفة يعني: والتاسع هو يوم عرفة، وفيه معظم الحج، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة" (١) يعني الوقوف بعرفة يوم عرفة، ويكون عشر ليالي من ذي الحجة، فإذا طلع الفجر ليلة النحر خرجت أشهر الحج. وروي هذا ابن الزبير (٢) وابن مسعود (٣) رضي الله عنهما، وهو مذهب أبي يوسف. وقال أبو حنيفة: الحج: شوال [٢٩/ أ] وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، فأدخلوا يوم النحر فيه. وبه قال أحمد، وقال مالك: أشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقيل: نص عليه الشافعي كتاب "الإملاء"، وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما روايتان:

أحدهما: مثل قولنا.

والثانية: مثل قول مالك، وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: روي نحو قولنا عن أبن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، ولا يتعلق بهذا الاختلاف حكم، والدليل على ما ذكرنا قوله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧]، فلا يخلو، أما إن أراد به الإحرام، أو الأفعال، وكلاهما لا يختص بثلاثة أشهر، ولأن الرفث وهو الجماع، يحل يوم النحر، وفي باقي الأيام من ذي الحجة، فدل أنها ليست من أشهر الحج، ولأن بعد يوم النحر وقت لو اعتمر فيه مضافاً إلى حجة من سنته لا يلزمه دم، فلا يكون من أشهر الحج كشهر رمضان.

واحتج مالك بأن الله تعالى ذكر الأشهر بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة، قلنا: قد يعبر عن الاثنين وبعض الثالث بلفظ الجمع، كما قال تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، وأراد به الأطهار عندنا، وعنده، وهي طهران وبعض الثالث، كذلك ههنا، فإن قيل: ما معنى قوله: وتسع من ذي الحجة؟ أيريد بالتسع تسع ليال أو يريد الأيام؟ فإن أراد الليالي، فهي عشر، وإن أراد الأيام، ففيه خلل من وجهين.

أحدهما: أن العبادة عن الأيام بإثبات الهاء لا بحذفها إذا العرب تقول: تسعة أيام وتسع ليال.

والثاني: أن وقت الحج لا ينقضي بانقضاء اليوم التاسع، بل يبقى، وفيه الليلة العاشرة حتى يطلع فجرها. قلنا: االمراد [٢٩/ ب] بقوله: وتسع من ذي الحجة إلى تسع ليال، والعرب إذا أطلقت حساب الليالي إنما تريد الليالي بأيامها لقوله تعالى {ووَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: ١٤٢]، أي: بعشر ليال مع أيامها، فدخل يوم عرفة تحت قوله: وتسع ذي الحجة وبقيت ليلة النحر غير داخلة تحت هذه العبادة، فألحقها


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٣٠٩، ٣١٠)، وأبو داود (١٩٤٩)، والترمذي (٨٨٩)، والنسائي (٣٠٤٤)، وابن ماجة (٣٠١٥)، وابن حبان (٣٨٨١)، والحاكم (٢/ ٢٧٨)، والدارقطني (٢/ ٢٤٠، ٢٤١).
(٢) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٨٧١٤).
(٣) أخرجه البيهقي في الكبرى" (٨٧١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>