للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة: قال (١): ولو أفرد الحج وأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أخل من أين شاء.

إذا كان مفرداً، فقدم الحج، وفرغ منه، ثم أراد أن يحرم بالعمرة، فإنه يخرج إلى الحل، ويحرم منه، ولا يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي أحرم بالحج منه لأنه إذا دخل مكة، فقد صار ميقاته ميقات أهلها، وهذا لأن عائشة رضي الله عنها لما أرادت أن تعتمر بعد التحلل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم وهو من الحل. فإذا تقرر هذا، فمتى خرج من الحرم، وانفصل منه، وأحرم في بادئ الحل صح إحرامه، ثم يدخل مكة، ويطوف ويسعى ويحلق، وقد تحلل من العمرة بذلك، ولا يلزمه الخروج إلى مسجد عائشة، ولا إلى غيره من المساجد، إنما ذلك استحباب لا واجب، ولا فرق بين المكي في ذلك وبين الغريب الذي ورد محرماً بحج وبين من يريد العمرة في مكة ابتداء، فإن خالف، وأحرم بها من جوف مكة فإنه ينعقد إحرامه بها، فإن خرج إلى الحل على ما هو عليه قبل الطواف، ثم عاد [٣٧/أ] وأكملها، فلا شيء عليه، وقد زاد خيراً، وإن لم يخرج بل طاف وسعى وحلق. نص في "الأم" (٢) على قولين:

أحدهما: عمرته صحيحة، وإنما أخل بالإحرام بها من الميقات، فعليه لتركه دم، وهو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة.

والثاني: لا تجزئه عمرته لأنه نسك فكان من شرطها الجمع بين الحل والحرم، كما قلنا في الحج. فعلى هذا لما حلق، حلق فبل وقته، فعليه دم، وإن وطئ بعد الحلق معتقداً أنه قد فرغ منها، فهو وطء من جاهل أنه محرم هل يفسدها؟ قولان، فإذا قلنا: لا يفسدها كان وجود الوطء وعدمه سواء، فيخرج إلى الحل على ما هو عليه، ثم يعود فيكملها. وإذا قلنا: أفسدها، فعليه المضي في فاسدها، وهو أن يخرج إلى الحل على صورته، ثم يعود فيكملها، وعليه بدنه لأجل الفساد، وعليه القضاء، وإذا قضاها نظر في التي أفسدها فإن كانت عمرة الإسلام جاز هذا القضاء عنها، وإن كانت غيرها أجزأ عن التي أفسدها فإذا تقرر هذا هذا، قال الشافعي (٣) ههنا: فسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات أي: وسقط عنه الإحرام من الميقات بإحرامه الأول بالحج منه، فلا يلزمه العود إليه بالعمرة. وفي بعض النسخ: وسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات، وهو الأصح، وزاد في "الإيضاح"، فقال (٤): فأحرم بها أي: بالعمرة بعد الحج من أقرب المواضع من ميقاتها، ولا ميقات لها دون الحل كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر في سفر واحد، فإن قيل: أليس قلتم في المتمتع: يحرم بالحج من جوف مكة، وفي المنفرد قلتم: يحرم بالعمرة من الحل لا من جوف مكة، ما الفرق؟ قلنا: [٣٧/ب] الفرق أنه لابد للحاج من الخروج إلى الحل للوقوف، فإذا أحرم به في الحرم يصير جامعاً بين الحل والحرم في النسك بكل حال، والمعتمر يأتي


(١) انظر الأم (٢/ ٥٠).
(٢) انظر الأم (٢/ ١١٦).
(٣) (٤) انظر الأم (٢/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>