احتقن به، تلزمه الفدية لأنه أكثر من الأكل ولو استعط تلزمه أيضًا، لا يمكن إلا بأن يمسه، فيلزمه الفدية بالمسّ لا بالأكل، وهذا يقتضي أنه استعط لا فدية، وهذا غير صحيح عندي، لأنه وإن استعط فقد استعمل الطيب باطن بدنه ولا فرق بين أن يطيب كل عضو أو بعضه ولا بين أن يكون عضوًا جرت العادة بتطييبه كالرأس والبدن أو لم تجر العادة به كالرجل والعقب، ولا فرق بين أن تكون مدة قليلة أو كثيرة، وكذلك في حكم اللباس، لا فرق بين أن يكون قليلًا أو كثيرًا. وقال أبو حنيفة: إن طيب عضوًا كاملًا تجب فدية كاملة، وإن طيب أقل من ذلك تجب صدقة وأراد بالصدقة إطعام مسكينٍ واحدٍ إما صاعًا من تمرٍ أو نصف صاع من برّ، وقال في اللباس: إن استدام يومًا كاملًا تلزمه الفدية، وإن كان أقل من ذلك تلزمه صدقة، وقال محمد: إن لبس جميع النهار تلزمه فدية كاملة، وإن كان أقل فبحسبانه من اليوم، وكذلك، قال في ستر الرأس وإن تطيب ناسيًا لإحرامه، أو لبس ناسيًا فلا فدية، وكذلك إن كان جاهلًا بتحريمه لا فدية، وبه قال عطاء وسفيان وأحمد وإسحاق، وقال المزني: تلزمه الفدية، إذا كان جاهلًا بالتحريم، وقال مالك وأبو حنيفة: تلزمه الفدية ناسيًا كان أو جاهلًا، وعن أحمد روايتان، وقيل: مذهب [٨٣/ أ] المزني كمذهب أبي حنيفة في الناسي أيضًا. واحتجوا بالقياس على قتل الصيد والحلق وتقليم الأظافر، وهذا غلط لما قال الشافعي: الفرق بين العامد والجاهل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة وغسل الصفرة ولم يأمره بفدية، وتمام هذا الخبر قد ذكرناه.
وروي فيه زيادات وهو أن يعلي بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني أحب أن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، فلما كنا بالجعرانة جاء أعرابي وعليه مقطعات وهو متضمخ بالخلوق، فقال: يا رسول الله، أحرمت بالعمرة وأنا هكذا فماذا تأمرني؟ فأخذه ما كان يأخذه في حال الوحي فتغطى بكساءٍ. قال يعلى: فدعاني عمر وقال لي: أتحب أن ترى رسول الله وهو يوحى إليه؟ فقلت: نعم، فرفع لي طرف الكساء فنظرت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أربد وهو يغط غطيط الفحل فلما سري عنه قال:"أين السائل عن عمرته"؟ فقال الأعرابي: ها أنا ذا يا رسول الله، فقال ما ما قال ولم يأمره بالفدية إذ كان جاهلًا بما صنع. فكذلك الناسي في حكم الجاهل.
فَرْعٌ
قال في "الأم": لو فعله ناسيًا أو جاهلًا ثم علمه فتركه ساعة عليه، وقد أمكنه إزالته عنه نزع أو غسل طيب افتدى، فإن قيل قلتم: إذا تطيب قبل إحرامه ثم أحرم واستدامة لا فدية واستدامة هذا الطيب ليست كابتدائه فكيف تقولون ههنا: هذا الطيب ليست كابتدائه فكيف تقولون ههنا: تلزمه الفدية باستدامته واستدامة كابتداء؟ قيل: الطيب قبل الإحرام كان مباحًا فأبحنا الاستدامة أيضًا، وههنا الابتداء لم يكن مباحًا، وكان محرمًا، وإنما أسقطنا الفدية للعذر فإذا زال العذر [٨٣/ ب] وتمكن من إزالته جعل بمنزلة الابتداء به وهو كما لو وطئ امرأة بشبهة لا يلزمه الحد، فإذا علم لزمته مفارقتها والنزول عنها كذلك ههنا.