للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الحالق وحده كما لو أتلف الوديعة في يد المودع, وإذا قلنا: يجرى مجرى حفظ العارية يلزمه الضمان على أيّ وجه أتلف, فإن قيل: فينبغي على هذا إذا أتلف شعره بنار أو تمعط شعره ضمن أيضا كالعارية قلنا: العارية مضمونة على المستعير بكل حال إلا إذا كان التلف من الجهة التي ينصرف الضمان إليها, إلا ترى أن صاحبها لو أتلفها, لا ضمان على المستعير لأن الإتلاف حصل من الجهة التي ينصرف الضمان إليها, وههنا ضمان شعر المحرم ينصرف إلى الله تعالى, فإذا حصل الإتلاف من جهته بإحراق شعره وإتلافه لم يجب الضمان, وقال القاضي الطبري: هذا خطأ عندي, وينبغي أن يكون شعره كالوديعة عنده, لأن العارية ما أمسكه لمنفعة نفسه, وههنا منفعته في إزالته.

واختلف أصحابنا في ترتيب المذهب, فقال أبو إسحاق في أصل وجوب الفدية قولين [٩٢/ب]:

أحدهما: تجب على الحالق دون المحلوق.

والثاني: تجب على المحرم ويجع بها على المحل الحالق.

وقال ابن أبى هريرة: لا يختلف المذهب أن الوجوب في الأصل على المحل الحالق, فإن كان حاضراً عاد عليه أمره بإخراجها, وإن غاب أو عجز فهل يجب على المحرم إخراجها, قولان وهذا لأنه حصل له الترفيه بحلقة والصحيح ما قال أبو إسحاق, وقال أبو حنيفة تجب على المحلوق وهل يرجع بها على الحالق, قال أكثر أصحابه: لا يرجع, وقال أو حازم: من أصحابه يرجع فإذا قلنا: يرجع على الحالق فقط, فهو كما لو حلق شعر نفسه تلزمه القديمة, فإن عجز فحتى يقدر ولا يعترض عليه إلا أن يكون ممتنعاً من الإخراج مع القدرة فيطالبه على ما ذكرنا, فإن أراد المحرم المحلوق إخراج الفدية عنه لم يجز إلا بإذنه, وإذا أذن فيه جاز له أن يفدى بشاة, أو بطعام, ولا يجوز بالصيام, وإذا قلنا: تجب على المحرم المحلوق، فظاهر المذهب أن له أن يطالب الحالق بإخراجها لأنه السبب في وجوبها عليه, قال أبو حامد: فإن كان قادراً على الفدية بالمال افتدى, ولا يجوز له أن يصوم لأن يؤدى ذلك على وجه التحمل في الصوم, فإن لم يصل إليه لزمه إخراجها, ثم إذا وصل إليه يرجع بها عليه إلا انه يرجع بأقل الشاة أو الإطعام لأنه إذا اختار أكثرهما قيمة كان هو بالزيادة متبرعاً, ولا يرجع بها على غيره وإن صام اختلف أصحابنا فيه, فمنهم من قال: لا يرجع عليه شيء لأنه لا قيمة للصوم في حق الآدمي, ومنهم من قال: يرجع عليه ببدله لأنه افتدى بأحد أنواع الفدية, فيرجع على من أوقعه فيها كما لو ذبح أو أطعم فمن قال بهذا, قال: فيه وجهان:

أحدهما: يرجع بأقلّهما قيمة من الإطعام والذبح

والثاني: يرجع كل يوم بمدّ من طعام, لأن هذا بدل الصوم في الشرع [٩٣/أ] , والصحيح أنه لا يرجع نشئ.

ومن أصحابنا من قال: سواء كان الحالق حاضراً أو غائباً على المحرم إخراجها, ثم يرجع على الحالق على ما ذكرنا والأول أصح. ولو حلق المحرم شعر المحرم فالحكم كما لو حلقه على ما ذكرنا, وقال المزني: الذي خط عليه أشبه يمعناه عندي, لأنه المنتفع

<<  <  ج: ص:  >  >>