ولم يأمر بالدلك. وقال الشافعي:"وفي إفاضة النبي صلى الله عليه وسلمعلى جلده دليل أنه إن لم يدلكه أجزأه". وهذا إشارة إلى الخبر الذي روى أنه صلى الله عليه وسلم سئل ن الاغتسال من الجنابة. فقال: "أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات, من ماء, فإذا أنا قد طهرت" ولميذكر الدلك. واحتج الشافعي أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم للمتيمم:"إذا وجدت الماء فأمسسه جلدك" ولم يأمر بالدلك.
وتمام الخبر ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض الأسفار فصلى جماعة, ثم رأى رجلاً معزولاً عن القوم لم يصل معهم, فقال له: ما لك لم تصل معنا؟ فقال: أصابتني جنابة ولم أجد ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم [١٣٠ أ/ ١] " التراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج, فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك" ثم بعد ذلك وجد الماء فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "خذ الماء فاغتسل" ولم يأمره بالوضوء ولا بالدلك وأما قوله: أنه لا يقال: اغتسل إلا لمن دلك, فلنا: لا نسلم ويقال: غسل الإناء من ولوغ الكلب, وغسل يده وإن لم تمر يده فكذلك هذا.
وفي هذا الخبر الذي ذكرنا دليل على أن الوضوء فيه لا يجب خلافًا لأبي ثور وداود, وهو معنى قوله: وفي أمره الجنب المتيممم إذا وجد الماء اغتسل ولم يأمره بوضوء دليل على أن الوضوء ليس بفرض.
مسألة: قال: "فإن ترك الوضوء للجنابة والمضمضة والاستنشاق" فقد أساء ويجزيه ويستأنف المضمضة والاستنشاق.
وهذا كما قال. وقصد به الرد على أبي حنيفة وأبي ثور, وقد ذكرنا مذهبهما, ثم أنه قال: ويستأنف المضمضة والاستنشاق" ولم يقل ويستأنف الوضوء لأمرين:
أحدهما: أن الشافعي عرف الخلاف في وجوب المضمضة والاستنشاق, فندب إليهما الاحتياط في الخروج من الخلاف, ولم يعرف مثل ذلك في الوضوء؛ لأن أبا ثور إنما ظهر مذهبه بعد الشافعي.
والثاني: أن سائر الأعضاء سوى الفم والأنف صارت مغسولة في جملة الاغتسال, فلا معنى لاستئناف غسلها بعد الفراغ بخلاف الفم والأنف, ولأنهما عضوان يتغيران عند طول العهد بالماء فأمر باستئنافها لهذا المعنى, ثم احتج على أبي حنيفة خاصة فقال: "وقد فرض الله غسل الوجه من الحدث كما فرض غسله مع سائر البدن من الجنابة" فإذا لم تجب [١٣٠ ب/ ١] المضمضة والاستنشاق في