للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن الموضع على هذه الصفة التي هو عليها اليوم، بل كان ضيقًا فوسع وجعل الأميال علامة على موضع الرمل وموضع المشي، وإنما رمل في هذا الموضع لأنه كان يشرف على الناس بحذاء السور فكان يرمل ليظهر الجلادة، فإذا غاب عنه مشى على سحية مشيه، وليست هناك اليوم دار تعرف بدار العباس بل تغير الاسم، وقيل: الأصل في السعي هو أن إبراهيم عليه السلام حمل هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام إلى مكة. وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: ٣٧] الآية. ثم انصرف ففني [١٢٠/ ب] زادها وماؤها، فقامت هاجر تطلب الماء لإسماعيل، فسمعت صيحة عند الصفا فابتدرت نحوها وصعدته، فسمعت مثل ذلك من المروة، فنزلت فلما كانت ببطن الطريق سعت سعيًا شديدًا كراهة أن ترى ولدها في الحال الشديد من العطش، فصعدت المروة، ثم سمعت صوتًا من الصفا، فنزلت نحو الصفا، فلما أكملت السعي سبعًا رأت الطير تنقض على الموضع الذي فيه إسماعيل، فابتدرت نحوه فرأت الماء قد انفجر من موضع عقبه وهو ماء زمزم. فأحاطت عليه بالتراب قال رسول الله صلى الله عليه سولم: «فصار بئرًا ول لم تفعل ذلك لكان عينًا معينًا»، وروى كثير بن جمهان أنه قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنه يمشي في المسعى، فقلت له: أتمشي في المسعى بين الصفا والمروة؟ فقال: لئن سعيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي (١).

فَرْعٌ

الترتيب فيه شرط، وهو أن يبدأ بالصفا، فإن بدأ بالمروة لم يعد بما قبل الصفا، ولو طاف سبعًا ههنا لم يجزئه السعي الأول لأنه بدأ بالمروة، ويجوز الثاني فيحصل سبعة، ويبقى السابع، فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة، وروى محمد بن شجاع عن أبي حنيفة أنه يجوز ذلك من غير ترتيب، وروي عنه أنه إذا طاف هكذا لا يحصل له ستة، وإذا أكمل سبعة وبدأ بالصفا وختم بالمروة لا يجوز، وهذا غريب لأنه زال التنكيس وحصل الترتيب والعجب من هذا أنه قال: السعي ليس بركن ولو نكس لا يجوز، والطواف ركن ولو نكس جاز، والأصل فيما ذكرنا مما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الصفا، قال: «نبدأ بما بدأ الله به» (٢)، فبدأ بالصفا [١٢١/ أ] وقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨]، الآية. وروى أنه قال: «ابدؤوا بما بدأ الله به» (٣)، وهذا أمر، والأمر على الوجوب.

فَرْعٌ آخرُ

لو نسي السعي السادس وسعى السابع احتسب بخمسة ولم يحتسب بالسابع، لأن الترتيب في السعي، واجب، فلم يحتسب بالسبع الذي يبدأ فيه بالصفا، ويختم


(١) أخرجه أبو داود (١٩٠٤)، والبيهقي في «الكبرى» (٩٣٧١).
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٣٧٢)، وأحمد (٣/ ٣٩٤)، وأبو داود (١٩٠٥)، والترمذي (٨٦٢)، والنسائي (٢٩٦١)، وابن ماجة (٣٠٧٤)، وابن حبان (٣٩٣٢).
(٣) أخرجه مسلم (١٤٧/ ١٢١٨)، والنسائي (٣٩٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>