فأوحى إليه فلما سرى عنه الوحي تلا هذه الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ} إلى قوله {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣] الآية فخرج يقرأ على الناس: فتيمموا وصلوا. وجعلوا يهنون أبا بكر, ويقولون: ما أعظم بركتكم يا آل أبي بكر ما نزلت بكم نازلة إلا كان للمسلمين فيها فسحة. واعلم أن التيمم في الشرع: هو عبارة
عما جعل بدلاً عن الوضوء, والغسل وهو مسح الوجه واليدين بالتراب, وسمي تيممًا لأن القصد فيه إلى التراب شرط، ولا خلاف بين الأمة في جواز التيمم في الجملة, وأنه [١٣٨ أ/ ١] يستوي فيه الجنب والمحدث, وأنه على الوجه واليدين وحدهما, إلا أنهم اختلفوا في مقدار ما يلزمه من مسح اليدين, فقال مالك: تمسح اليدين إلى الكوعين. وبه قال ابن مسعود, وابن عباس, وعكرمة, ومكحول, والأوزاعي, وأحمد, وإسحاق, وداود, وابن جرير الطبري.
ورواه أصحابنا عن علي- رضي الله عنه- وقالوا: لا يصح عن مالك هذا المذهب. وحكي عن الشافعي أنه قال في "القديم" رواه أبو ثور, وقال أصابنا: منصوصة في:"القديم كله" خلاف هذا, ولا يصح هذا غير الشافعي فالمسألة على قول واحد, وقيل فيه قولان وليس بشيء. وقال الزعفراني: جعله الشافعي في "القديم" موقوفًا على صحة حديث عمار, وهو أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض فتمسح بهما وجهك وكفيك". وقد روى عنه خلافه ويديه إلى المرفقين والزيادة أولى. وقال الزهري: يمسح يديه إلى الإبطين والمنكبين وقال ابن سيرين: يضرب ثلاثة ضربات ضربة لوجهه, وضربة لكفيه, وضربة لذراعيه.
وروى عن الأوزاعي, وسعيد بن المسيب, وأحمد، وإسحاق: يضرب ضربة واحدة لوجهه, وكفيه. وعندنا يضرب ضربة لوجهه, وضربة لليدين إلى المرفقين وبه قال عمرو ابن عمر, وجابر, وعلي في رواية- رضي الله عنهم- والحسن [١٣٨ ب/ ١] ولبشعبي, والليث, والثوري, وأبو حنيفة, وأصحابه. والدليل عليه ما روى أبو أمامة الباهلي- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التيمم ضربتان للوجه, وضربة لليدين إلى المرفقين". وروي أنه صلى الله عليه وسلم تيمم فمسح وجهه وذراعيه. ولأنه طهارة عن حدث فيتقدر فرض اليدين فيها إلى المرفقين, كالوضوء, أو عضو له مدخل في التيمم