قَتَلَ} [المائدة: ٩٥] الآية، فدل من طريق دليل الخطاب على أنه إذا كان مخطئاً لا جزاء عليه، وهذا غلط، لما ذكرنا من الخبر، ولم يفصل، ولأنه حيوان يجب بقتله الكفارة أو المخطئ في قتله الناسي لإحرامه. وقال داود: لا جزاء على المخطئ أصلاً، في قتل الآدمي خطأ ونبه به على وجوب الجزاء في الصيد عند الخطأ.
وقيل: إنما شرط العمد، لأنه عقبة بالعقوبة في العود لا للمخالفة بين الخطأ والعمد، وأما ما قاله، فهو خلاف ظاهر نص الكتاب. وحكي عن ابن عباس ومجاهد وسريج والحسن وقتادة والنخعي: أنه لا جزاء على العامد.
وبه قال داود: والعائد أن يقتل صيداً فيفديه أولاً بفدية، ثم يقتل صيداً ثانياً، فعليه جزا، آخر وعندهم لا جزاء، ولو عاد مائة مرة، واحتجوا بقوله تعالى:{وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}[المائدة: ٩٥] فجعلوا الانتقام جزاؤه، وهذا غلط، لأنه كفارة تجب بقتل حيوان محترم، فأشبهت كفارة قتل الآدمي.
وأما الآية قلنا: قال عطاء وغيره: أراد ومن عاد في الإسلام، فينتقم الله منه بالجزاء [٢٠٢ / ب]. وحكي عن أحمد في رواية أنه إن كفر عن الأول، وجب للثاني الجزاء، وإلا تداخل، ثم اعلم أن الشافعي قال: ولا يعاقبه الإمام فيه، لأن هذا ذنباً جعلت عقوبته فديته إلا أن (يفعل ذلك) مستخفاً، ثم قال المزني: وقاس ما اختلفوا فيه من كفارة قتل المؤمن عمداً على ما أجمعوا عليه من كفارة قتل الصيد عمداً، وقصد به الاحتجاج على أبي حنيفة حيث قال: تلزم الكفارة في قتل الآدمي خطأ، ولا تلزم إذا قتله عمداً ووافقنا في الصيد أنه يلزم الجزاء بقتله عمداً، أو خطأ والمعنى الجامع بينهما أنه حيوان ذو حرمة تعلقت بقتله الكفارة في حاله، فوجب أن يستوي فيه عمد القتل، وخطأه كقتل الصيد، ثم أيد الشافعي ذلك، فقال: والعامد أولى بالكفارة في القياس من المخطئ يريد به أن العامد أعظم ذنباً، وأكبر جريمة، فهو بالكفارة الموضوعة لتغطية الإثم أولى.
فرع آخر
لو دخل الذمي الحرم، فقتل صيداً في الحرم يلزمه الجزاء، لأنه ضمان يتعلق بالإتلاف، فيلزمه ضمان الأموال، ويفارق هذا إذا أحرم ثم قتل الصيد لا جزاء عليه، لأنه لم ينعقد إحرامه، فلا يوجد هتك حرمة الإحرام، وحرمة الحرم موجودة، وقد هتكها بقتله.
ومن أصحابنا المتأخرين من قال: لا جزاء عليه هناك أيضاً، لأنه غير ملتزم بحرمة الحرم، فلا يضمن صيده.