للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل

اعلم أن الحصر والإحصار في هذا الباب هو أن يمنع المحرم من المضي في نسكه، فإذا أحرم الناس بحج أو عمرة أو بهما، ثم أحصرهم العدو، فصدهم عن البيت ومنعهم من الوصول إليه كان لهم التحلل عنه سوا، كان العدو مسلمًا آو مشتركًا، والأصل فيه هذه الآية، وهي قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}. وهذه الآية نزلت في حصر المشركين، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج سنة ست إلى مكة معتمرًا، فحصره المشركون بالحديبية وصدّوه عن البيت، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فتحلل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من العمرة وصالحوا قريشًا على أن يعودوا في العام القابل معتمرين ويدخلوا مكة ويقيموا بها ثلاثة أيام.

وقال جابر: أحصرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية، فنحرنا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. وروي أن ابن عمر خرج إلى مكة للعمرة في زمان الفتنة. وقال: أن أحصرنا صنعنا ما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآية وإن وردت في المشركين، فحصر المسلمين قياسه، ولأنا لو قلنا: لا يجوز التحلل به لأدى إلى مشقّة عظيمة [٢٣٠/ ب].

وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، فإذا تقرر هذا، فإنه ينظر فإن لم يكن لهم طريق سوى هذا تحللوا أو انصرفوا، ولا قضاء عليهم، وإن كان لهم طريق سوى هذا لا يحلو، إمّا أن يكون برًا أو بحرًا، فإن كان بحرًا فهو مشي على ركوب البحر للحج، فإن قلنا: يلزمه ركوبه للحج يلزمه سلوكه، ولا يجوز لهم التحلل. وإن قلنا: لا يلزمه ركوبه لم يلزمه سلوكه.

قال في "الأم ": وأحبّ لو سلكه، ولو كان برًا نظر، فإن كانوا يخافون على أبدانهم وأموالهم فيه كان لهم التحلل ولا قضاء كما لو لم يكن لهم طريق بحال، وإن كان هذا الطريق آمنًا، فإن كان كالذي صدوا عنه في السهولة، والقرب فهؤلاء ليسوا بمحصرين، وإن كان أبعد فإن لم يكن لهم نفقة هذا الطريق، فإنه يتحلل ولا قضاء أيضًا، فإن كان لهم نفقة هذا الطريق لا يجوز لهم أن يتحللوا أصلًا سواء علموا انهم إذا سلكوه أدركوا الحج، أو لم يدركوه نصّ عليه في "مختصر الحجّ"، فإذا سلكوا نظروا، فإن كان إحرامهم العمرة أقاموا على الإحرام حتى يتحللوا منها آمنوا الفوات وليسوا بمحصرين.

وإن كان إحرامهم بالحج نظروا، فإن ألحقوه فقد تم حجهم، وإن فاتهم الحج تحللوا بعمل العمرة، وهل يلزم القضاء أن كان تطوعًا؟ فيه قولان:

أحدهما: يلزم. وبه قال أبو حنيفة كما لو أخطأ العدد آو ضل الطريق.

والثاني: لا يلزم. وبه قال مالك وأحمد، لأن الفوات لم يكن بتفريط منه بخلاف ما قاسوا عليه، وهو الصحيح. هذا في الحصر العام وآما الحصر الخاص، كأنه أحرم بالحج فحبسه السلطان وحده، فان كان بحق، فلا يجوز له التحلل، لأن الامتناع من جهته، وان بقي في الحبس حتى [٢٣١/ أ] فاته الحجّ تحلل بعمل العمرة، وعليه القضاء، وإن كان الحبس بغير حق مثل أن كان عليه دين لا يقدر على قضائه ونحو

<<  <  ج: ص:  >  >>