عليه لم يحكم بصحة فعله عنده، لأن هذا اعتقد جواز التحلّل. وتحلل فلم يجعله حلالاً بذلك ولم يصححه في حقه.
فَزعٌ أخرُ
إذا أحرم واشترط في إحرامه أن يتحلل متى عرض له عارض من مرض أو خطأ الطريق أو خطأ التعدد أو ذهاب النفقة اختلف قول الشافعي - رضي الله عنه - فيه قال في "القديم " يجوز ذلك وقطع به. وقال في "الجديد": إن صح حديث ضباعة قلت به، فعلق القول فيه، فمن أصحابه من قال: أجمع أصحاب الحديث على صحة حديث ضباعة، وذلك أن الشافعي - رضي الله عنه - رواه مرسلاً عن عروة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رواه أبو داود مسنداً عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [٢٣٦/ب] فقالت: إني أريد الحج أفأشترط، قال:"نعم"، قالت: فكيف أقول؟ قال:"قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني".
وروت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على ضباعة، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج، وإني شاكية، فقال:"أحرمي واشترطي أن محلي حيث حبستني"، فعلى هذا قولاً واحدًا، أنه ثبت الشرط، وفي الخبر دليل على أن المرض لا يجوز التحلّل، لأنه لو كان يجوز لما احتاجت إلى هذا الشرط، وفيه دليل على أن يحلّ في الموضع الذي يحبس وينحر هديه هناك، وما كان له حلاً وبه قال أحمد، ومن أصحابنا من قال: فيه قولان:
أحدهما: هذا.
والثاني: لا يصح هذا الشرط. وبه قال الزهري ومالك وأبو حنيفة، وهذا لأنها عبادة لا يجوز التحلّل منها بغير عذر، فلا يجوز التحلّل منها بالشرط كالصلاة، وهذا يبطل بالصوم المنذور، وإذا شرط الخروج منه بعذر جاز بالإجماع ومن قال بهذا القول، قال: ضباعة مخصوصة بذلك كفسخ الحجّ كان مخصوصاً بمن خصه - صلى الله عليه وسلم - وحكي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه قال: هذا الشرط في المريض يعتد سقوط الهدي إذا تحلّل.
فَزعٌ أخرُ
لو قال: إذا مرضت أتحلل من إحرامي لا يخرج من الإحرام إذا وجد الشرط إلا بالتحلّل، وهو أن ينوي الخروج منه، لأن الشرط يضمن إزالته أو إبطاله فكذلك لو قال:"محلي من الأرض حيث حبستني" مرض فأنا حلال، ففيه وجهان:
أحدهما: يصير حلالاً [٢٣٧/أ] لوجود الشرط اعتباراً بموجب اللفظ فيه. وقيل: هذا نص الشافعي، وهذا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كسر أو عرج فقد حل"، ولا يمكن حمل الخبر إلا على هذا.