ويحكيه أصحابنا عن أبي حنيفة ووجه هذا أن مطلق النذر يحمل على معهود ا~ع والهدي في الشرع من النعم كما قلنا في الصلاة والصوم.
والثاني: قاله في "القديم"، و"كتاب المنذور": يجوز ما يقع عليه الاسم، وإن كانت زبيبة أو تمرة، لأن اسم الهدي يقع على ذلك كله شرعاً ولغةً. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خبر الجمعة "ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة"، فإذا قلنا بالقول الأول يجزئه الذكر والأنثى، لأن المقصود منه اللحم، ولهذا يجب ذبحه، ولا يجوز إيصاله إلى الفقراء قبل الذبح " [٢٤/أ].
وعلى هذا القول لا يجوز ذبحه وتفريقه إلا في الحرم. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يكره الذكر من الإبل فيه، ويرى أن يهدي الأنثى منها. وهذا لا يصح لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى عام الحديبية مائة بدنة فيها جمل كان لأبي جهل في أنفه برة من فضة يغيظ بذلك المشركين.
والجمل: الذكر والبرة: حلقة يجعل في أنف البعير ومغايظة المشركين أنه كان ذلك الجمل معروفاً بأبي جهل، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سلبه، فكان يغيظهم أن يروه في يده وصاحبه قتيل سليب، وإذا قلنا بالقول الثاني، فالأصح أنه لا يجوز إلا في الجرم لقوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة:٩٥]، فجعل الشرط في الهدي إبلاغه الحرم، ومن أصحابنا من قال: يجوز في غير الحرم، كما لو نذر أن يتصدق بشيء جاز في كل موضع، ولأنه لما لم يحمل على معهود الشرع في المقدار لم يحمل عليه في المكان والمصرف.
ثم اعلم أن النذر على ضربين نذر لجاج وغضب ونذر تبرر، فأمّا نذر اللجاج والغضب، فهو ما قصد به الإلزام أو المنع مثل أن يقول: أن كلمت فلاناً، فعلي كذا أو أن لم أكلم فلاناً، فعلي كذا، فإذا وجد الخلاف فهو مخير بين كفارة اليمين وبين الوفاء بذلك على ظاهر المذهب. وأما نذر التبرر فضربان: فرب علقه بجزاء مثل إسداء نعمه أو دفع نقمة، فإذا وجد شرطه لزمه الوفاء به. وضرب، يكون مطلقاً مثل أن يقول ابتدأ: لله علي أن أهدي وأتصدق، فالمذهب أنه يلزمه الوفاء.
ومن أصحابنا من قال: لا يلزمه الوفاء به. وقيل: وجهان. والصحيح ما ذكرنا فإذا قلنا: يلزم الوفاء يلزم [٢٤/ ب] ما عين، وإن أطلق، وقال: فلله علي هدي، فالحكم ما ذكرنا، فإذا ثبت هذا فالهدي بأعلى وأدنى، فالأعلى البدنة والبقرة والأدنى شاة أو سُبعُ بدَنَه أو سبع بقرة، فمن وجب عليه هدي، فهو مخير بين أن يهدي الأعلى وبين أن يهدي الأدنى، فإن أهدى الأدنى فكله واجب، لا يجوز أكل شيء منه، وإن أخرج الأعلى فهل يكون كله واجباً، أو سبعه واجباً؟ وجهان:
أحدهما: الكل واجب ولا يجوز أكل شيء منه كما قلنا في كفّارة اليمين، يتخّير بين العتق والإطعام وأيهما أخرج كان كله واجباً.
والثاني: سبعه واجب والباقي تطوع لأنه أقيم مقام سبع من الغنم، ويفارق العتق في