يستحب لمن قصد مكة حاجاً أو معتمراً أن يهدي إليها من بهيمة الأنعام، وينحرها، ويفرق لحمها لما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أهدى مائة بدنة" ويستحبّ أن يكون ما يهديه سميناً حسناً لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: ٣١]، قال ابن عباس في تفسيرها هو: الاستسمان والاستحسان والاستعظام.
فَزعٌ أخرُ
قال الشافعي - رضي الله عنه -: وأحب إلي أن يذبح النسيكة صاحبها أو يحضر الذبح، فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة، ويستحب أن يلي تفرقة اللحم بنفسه، فإن وكل فيه جاز سواء وليها بنفسه أو استناب فيها، فعلى من ولي ذلك أن يفرقها وله أن يخلي بينها وبين المساكين.
وهذا لما روي عن عبد الله بن قرظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر وقرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، قال: لما وجبت جنوبها تكلم بكلمة خفية لم أفهمها. قال: قلت ما قال؟ قال: من شاء اقتطع " فدل أنه خلى بينهم وبينها. وقوله: يزدلفن أي: يقربن، يقال: زلف الشيء إذا قرب. وقوله: وجبت جنوبها، أي: زهقت أنفسها، فسقطت على جنوبها. وقوله: من شاء اقتطع يدلّ على جواز هبة المشاع، وقيل: يدلّ على جواز أخذ النثار في العرس، وأنه ليس من باب النهي بل هو من باب الإباحة، فإن قيل: عندكم النثار مكروه، فما الفرق؟ [٢٤٨/أ]
قلنا: النثار لا يزيلّ ملك صاحبه فربما يأخذه من لا يحبه مصاحبه وههنا صار ملكاً للفقراء.
فَزعٌ أخرُ
إذا كان واجباً يلزمه أن يفرق لحمه وجلده. وقال في "القديم": وجلالها ونعالها يعني الذي قلد بها البعير ويستحب هذا، لأنه من توابعها، ولا يعطي الجازر أجرته من لحمها، ولا من جلدها، لأن الأجرة على المهدي الموفي، فإن كان فقيراً أعطاه منه سوى الأجرة. وهذا لما روي عن علي - رضي الله عنه -، قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها، وأمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئاً، وقال:"نعطيه من عندنا".
وقال الحسن: لا بأس أن يعطي الجازر الجلد.
فَزعٌ أخرُ
لو ترك تفرقة اللحم حتى أنتن، قال في "مختصر الحج" أعاد يعني يضمنه بمثله، فيذبح هدياً آخر. وقال في "القديم": عليه قيمته. وقال أصحابنا: هذا هو المذهب، وقوله: أعاد، أراد إخراج القيمة، لأنه إتلاف لحم وبالذبح حصل المقصود، وهو كما