للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لأن ما لم يصل من اللحم إلى المساكين يبطل حكم إراقة الدم فيه كما لو ذبحه وأتلف كله يجب عليه أن يذبح أخرى هكذا. ذكر أصحابنا: وقد تقدم خلافه، وان كان الهدي تطوعاً قد ذكرنا أنه يستحبّ له الأكل منه، وهذا لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أهدى مائة بدنة فتولى نحر نيف وستين منها. وولي علياً الباقي ثم أمر فقطع من كل واحدةٍ قطعة من لحم فطبخ ذلك، فأكل من لحمها وتحسى من مرقها"، ولو أكل الكل كم يضمن؟ وجهان:

أحدهما: القدر الذي لو تصدّق به أجزأه.

والثاني: يضمن القدر الذي يستحب له أن يفرقه. وذلك النصف أو الثلث على اختلاف القولين.

وقال الشيخ أبو حامد: هذا التفريع من أصحابنا على هدي التطوع بعيد، فإن من المحال أن يضمن ما يتطوع به، ولكن هذا التفريع يعود إلى النذر المطلق، فإن المنصوص جواز الأكل منه، فكل ما قالوا في التطوع، فهو في هذا النذر المطلق وأصل هذا الاختلاف من أنه يجب تفريق الزكاة على ثلاثة من كل صنفٍ، فإن أعطى اثنين، ولم يعط الثالث يضمن وكم يضمن؟ وجهان:

أحدهما: قدر ما يجزى، دفعه إليه.

والثاني: قدر ما يستحبّ دفعه إليه وهو الثلث.

مَسْألَةٌ: قال: وما عطب منها نحرها وخلّى بينها وبين المساكين.

إذا ساق الهدي، فعطب منه [٢٤٩/ب] شيء، أي: زمن ولم يقدر على سوقه، فإن كان تطوعاً، فله ذبحه وأكله وإطعام الأغنياء والفقراء، وان كان واجباً لا يخلو إما أن يكون معيناً بالنذر، أو معيناً عن هدي في ذمته، فإن كان معيناً في الأصل، فقد زال ملكه إلى المساكين على ما ذكرنا، فينحره ويغمس نعليه في دمه ويضرب بهما صفحة سنامه، ويخلّي بينها وبين المساكين والنعلان هما اللذان علقا على رقبته.

والأصل في هذا ما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث فلاناً الأسلمي، وهو ناجية وبعث معه بثماني عشرة بدنة، فقال: "أرأيت أن أرجف علي منها شيء، قال: تنحرها ثم تصبغ نعلك في دمها ثم اضربها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك. أو قال: "أهل رفقتك" ومعنى إرجف أعني أو كل، وإنما أمر بهذه العلامة ليعلم من رآه أنه هدي، ولأن هذا الهدي صار مصدوداً عن البيت فيجب ذبحه في موضعه كدم المحصر، فإذا تقرر هذا فلا خلاف أنه لا يجوز له أن يأكل منه، ولا أغنياء أهل الرفقة، فأما فقراء أهل الرفقة، هل يأكلون؟ المنصوص أنه لا يحلّ لهم أيضاً.

وهذا ظاهر نص السنة والمعنى في ذلك أنا لو أبحنا لهم ذلك، ربما يتسببون إلى إزمانه وإعطابه طمعاً، في أكل لحمه، فحرم عليهم حتى يصونوا هذا الهدي ويحفظوه عن التلف والعطب.

<<  <  ج: ص:  >  >>