والثاني: قوله: {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: ٩٦] يعني مطعومه، فدل على أن جميعه مطعوم.
وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" فعم جميع ميتاته، ولم يخصها.
وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: كل دابة تموت في البحر فقد ذكاها الله لكم، وهو محكي عن غيره من الصحابة، وليس فيه مخالف له، فكان إجماعاً ولأن ما لم يعش من الحيوان إلا في الماء حل أكله ميتاً كالحوت.
فأما الجواب عن استدلاله بقوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥] فمن وجهين:
أحدها: أن مطلق اسم الخنزير لا ينطلق لفة وعرفاً إلا على خنزير البر، فإن أريد به غيره قبل خنزير الماء مقيداً به، فوجب أن يحمل حكمه على إطلاقه.
والثاني: أن اسمه لو انطلق عليها لخص تحريمها بقوله: لكل ميتة
وأما الجواب عن قوله: "الميتتان: الحوت والجراد" فمن وجهين:
أحدهما: أن اسم الحوت ينطلق على جميعها، فكان دليلاً على إباحتها دون حظرها.
والثاني: أن قوله: "الحل ميتته" أعم منه فصار الحوت داخلاً في عمومه، ولم يخصه؟ لأنه لا ينافيه.
وأما الجواب عن قياسه على البري، فهو أن الشرع قد فرق بين حيوان البر والبحر فلم يجز أن يجمع بينهما بالقياس.
وأما الجواب عن استدلاله بأن إباحة الحيوان لا يختلف باختلاف مواطنه، فهو مدفوع بالإجماع، ولاختلاف الأماكن مع الإجماع في الاسم والصورة تأثير في الحظر والإباحة؛ لأن الحمار الوحشي والحمار الأهلي يجتمعان في الاسم، ويشتبهان في الصورة، ويفترقان في الإباحة، فيحل الوحشي، ويحرم الأهلي، لاختلافهما في الإباحة والحظر، وإن اشتركا في الاسم واشتبها في الصورة، وبهذا يبطل قول من ذهب من أصحابنا إلى اعتبار حيوان البحر بحيوان البر فأحلّ منه ما أشبه محللات البر وحرم منه ما أشبه محرمات البر.
فصل:
وأما النوع الثالث من الحيوان، وهو ما يجمع في عيشه بين البر والبحر فينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يكون مستقره في البر، ومرعاه من البحر مثل: طير الماء فهذا من حيوان البر وتجري عليه حكمه.