والثاني: وهو قول مالك: أنها واجبة على المقيد والمسافر وبه قال ربيعة والأوزاعي والليث بن سعد.
والثالث: وهو قول أبي حنيفة _ أنها واجبة على المقيم دون المسافر احتجاجاً في الوجوب يقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ}[الكوثر: ٢]. وهذا أمر، وبحديث أبي رملة عن محنف بن سليم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة" وبرواية أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"من لم يضح فلا يشهد مصلانا" وهذا وعيد يدل على الوجوب، وبرواية بشر بن يسار أن أبا بردة بن دينار ذبح أضحية قبل الصلاة، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد، فدل الأمر بالإعادة على الوجوب، قالوا: ولأن حقوق الأموال إذا اختصت بالعيد وجبت كالفطرة، قالوا: ولأن ما وجب بالنذر كان له أصل وجوب في الشرع كالعتق، ولأن توقيت زمانها والنهي عن معيبها دليل على وجوبها، كالزكوات، ودليلنا: ما رواه مندل عن ابن خباب عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"الأضاحي علي فريضة وعليكم سنة" وهذا نص. وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"ثلاث كتبت عليَّ ولم تكتب عليكم: الوتر والنحر والسواك".
وروى سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يضحّي من شعره ولا بشره شيئاً". فعلق الأضحية بالإرادة، ولو وجبت لحتمها، فإن قيل: فقد فقال: "من أراد منكم الجمعة فليغتسل"فلم يدل تعليق الجمعة على الإرادة على أنها غير واجبة، كذلك الأضحية، قلنا: إنما علق بالإرادة الغسل دون الجمعة، والغسل ليس بواجب فكذلك الأضحية.
وروى عن الصحابة رضي الله عنهم ما ينعقد به الإجماع على سقوط الوجوب فروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يرى أنها واجبة.
وروي عن أبي مسعود الباري، أنه قال: لا أضحي وأما موسر لئلا يقدر جيراني أنها واجبة عليَّ.
وروي عن ابن عباس أنه أعطى عكرمة درهمين، وأمره أن يشتري بها لحماً، وقال: من سألك عن هذا فقل: هذه أضحية ابن عباس. فإن قيل: فلعل ذلك لعدم، قيل: قد روي عن ابن عباس أنه قال: عندي نفقة ثمانين سنة كل يوم ألف.
ومن القياس: أنه إراقة دم لا تجب على المسافر، فلا تجب (على) الحاضر