مسألة:
قال الشافعي: "وكذلك تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين وهي مما يعدو على حمام الناس وطائرهم وكانت تترك مما لا يعدو من الطائر الغراب والحدأة والرخمة والبغاثة ".
قال في الحاوي: قد مضى الكلام في البهائم الماشية من الوحشية والإنسية فأما الطير فضربان:
أحدهما: ما فيه عدوى على الطائر بمخلبه وافتراس له بمنسره كالبازي والصقر والشاهين والنسر والحدأة والعقاب، فأكل جميعها حرام، وأباحها مالك، ولم يحرم من الطائر كله شيئاً.
ودليلنا رواية عاصم بن ضمرة عن علي _ عليه السلام _ ورواية سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يؤكل ما دف ولا يؤكل ما صف" يريد ما حرك جناحه كالحمام وغيره يؤكل، وما صف جناحيه ولم يحركهما كالصقور والنسور، لا يؤكل، ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [تبارك: ١٩].
والثاني: ما لا عدوى فيه، فتنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما اغتذى بالميتة والجيف كالبغاث والرخم، فأكله حرام، لخبث غذائه.
والثاني: ما كان مستخبثاً كالخطاطيف والخشاشيف، فأكله حرام، لخبث لحمه.
والثالث: ما لم يخبث غذاؤه، ولا لحمه كالحبارى والكروان، فأكله حلال.
روى سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أكلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حبارى ويقاس على أصله هذه الأقسام الثلاثة ما في نظائرها، فمن ذلك الهدهد أكله حرام، وقد ورد الخبر بالنهي عنه، وكذلك الشقراق والعقعق ولأنها مستخبثة عند العرب، فأما الغراب، فأكله حرام الأسود منه والأبقع سواء.
وحكي عن الشعبي أنه أباح أكله وقال من دجاجة ما أسمنها؟ وقال آخرون: يؤكل منه الأسود دون الأبقع وهذا خطأ: لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباح قتله في الحل والحرم.
وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: إني لأعجب ممن يأكل الغراب، وقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتله للمحرم وسماه فاسقاً، والله ما هو من الطيبات وما يشبه الغراب، وليس بغراب الزاغ والغداف، فأما الزاغ فهو غراب الزرع، وأما الغداف، فهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد، ولأصحابنا في إباحة أكلها وجهان:
أحدهما: أن أكلها حرام، لشبهها بالغراب، وانطلاق اسمه عليها.