للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: لا (فرق) بينهما، لأننا جعلنا ذكاته بذكاتها، إذا خرجت روحه، بخروج روحها، وإذا خرج حياً لم تخرج روحه لخروج روحها، فلم تحل بذكاتها كذلك الأعضاء إذا خرجت منها الروح بخروج روحها حلت، ولو خرجت الروح منها بغير خروج الروح من أصلها لقطعها قبل ذبحها لم تؤكل، فاستويا، وقد يتحرر من هذا الجواب المعلل قياس ثان، فيقال: حيوان خرجت روحه بذكاة، فجاز أن يكون مأكولاً، كالأم، ولا يدخل الجنين المتولد من حمار وحشي، وحمار أهلي لا يحل أكله بذكاة أمه، لأننا أجمعنا بينه وبين الأم، والأم تؤكل إذا لم تتولد من بين جنسين كذلك الجنين.

فإن قيل: إنما مات باختناقه في بطن أمه، واحتباس نفسه، لا بالذكاة فدخل في تحريم المنخنقة.

قيل: لا يجوز أن يعلق على الأسباب المباحة أحكام المحظورات كما لا يجوز أن يعلق على الأسباب المحظورة أحكام المباحات وموت الجنين بذبح أمه مباح، يتعلق به إحلال الأم، فتبعها في الحكم، والمنخنقة ضدها؟ لتحريم جميعها، فتعلق به تحريم أكلها.

ويدل على ما ذكرناه أن الذكاة معتبرة بالقدرة بعد الأسباب المباحة، وهي تنقسم ثلاثة أقسام.

فقسم يمكن ذبحه، وهو المقدور عليه من الصيد والنعم، فلا ذكاة له إلا في حلقه ولبته.

وقسم ممتنع لا يمكن ذبحه، ويمكن عقره، وهو الصيد، فذكاته بعقره من أي موضع وقع من جسده، لتعذر ذبحه.

وقسم يتعذر ذبحه وعقره وهو الحوت والجراد؟ لأن موت الحوت بعد موته سريع وعقر الجراد شاق، فكان موتهما ذكاة.

وان كان هذا أصلاً متفقاً عليه وجب أن يعتبر في الجنين، فإن لم يقدر على ذبحه لسرعة موته، كان موته ذكاة له، فالحوت والجراد، وان كان مقدوراً على ذبحه، لبقاء حياته كانت ذكاته في الحلق واللبة، كالمقدور عليه في الصيد والنعم، فيصير الخلاف فيه مردوداً إلى الأصل المتفق عليه، ولأنه لما سرى حكم الأم إلى جنينها في البيع الهبة والعتق سرى إليه في الذكاة والإباحة.

ألا ترى أن الجناية على الأم إذا ألقته ميتاً، كالجناية عليه في وجوب الضمان؟ فصار في جميع أحواله ملحقاً بأمه، فكانت الذكاة منها، ولم يجز أن يقتطع عنها.

فإن قيل: لو لحق بها في الذكاة إذا خرج ميتاً لم يحتج إلى الذكاة، إذا خرج حياً فعنه جوابان:

أحدهما: إنما حلّ إذا خرج ميتاً لفراق روحه بذكاتها، ولم يحل إذا خرج حياً لأن روحه لم يفت بذكاتها.

والثاني: أنه لا يجوز أن يعتبر خروجه حياً في الذكاة بخروجه ميتاً كما لا يعتبر في

<<  <  ج: ص:  >  >>