فأما الزراعة فلا مدخل لها في تحريم ولا كراهية، وهذا أول شيء على أنها أطيب المكاسب، وأما التجارة، فتنقسم ثلاثة أقسام: حلال، وهي: البيوع الصحيحة.
وحرام: وهو البيوع الفاسدة. ومكروه: وهو الغش والتدليس.
وأما الصناعة فتقسم ثلاثة أقسام.
حلال: وهو ما أبيح من الأعمال التي لا ندس فيها كالكتابة والتجارة والبناء.
وحرام: وهو ما حظر من الأعمال كالتصاوير والملاهي.
ومكروه: وهو ما باشر فيه النجاسة كالحجام، والجزار، وكناس الحشوش، والأقذار والنص فيه وارد في الحجام، وهو أصل نظائره، والنص فيه ما رواه معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أجر الحجام فنهاه عنه، فشكا من حاجتهم، فقال: "اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك".
فذهب بعض أصحاب الحديث إلى أنه حرام على الأحرار حلال للعبيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السادة دون العبيد، واعتمدوا فيه على رواية رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كسب الحجام خبيث ومهر البغي خبيث، وثمن الكلب خبيث". فلما وصفه بالخبث، وقرنه بالحرام كان حراماً.
والدليل على فساد ما ذهبوا إليه ما رواه علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأمرني أن أعطي الحجام أجرة.
وروى أنس بن مالك أن أبا طيبة حجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر له بصاع من تمر، وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه، قال جابر: وكان خراجه ثلاثة آصع من تمر في كل يوم، فخففوا عنه في كل يوم صاعاً.
ووجه الدليل منه: أنه لو حرم كسبه على أخذه حرم دفعه على معطيه، فلما استجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر بدفعه إليه دلّ على جواز أخذه؟
فإن قيل: إنما حجمه أبو طيبة متطوعاً تقرباً إلى الله بخدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذلك شرب معه فقال له: قد حرم الله جسمك على النار"، وكان ما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مواساة، ولم يكن أجره، فعنه جوابان:
أحدهما: إنما أعطاه مقابلة على عمله صار عوضاً ينصرف عن حكم المواساة.
والثاني: أن أبا طيبة كان مملوكاً لا يصح تطوعه بعمله ولا يستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تطوعه! ولأنه لم يزل الناس على هذا في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه إلى وقتنا هذا في