للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحريم وقد نهى عن إضاعتها؛ ولأن طهارة الماء أقوى، لاختصاصه برفع الحدث، فقويت طهارته على رفع النجس عنه، وضعفت طهارة المائع عن دفع النجس عنه.

فصل:

فإذا ثبت نجاسة قليله وكثيره حرم أكله، وأكل كل نجس وحرمه شربه، وشرب كل ما نجس.

وقال داود: يحرم أكل السمن وحده إذا نجس دون غيره، تمسكاً بظاهر النص في السمن، فجعل الحكم مقصوراً عليه، وهذا فاسد من وجهين:

أحدهما: أنه لما كان حكم الفأرة مع ورود النص فيها متعدياً إلى نظائرها كان السمن في تقدير حكمه بمثابتها.

والثاني: أن غير السمن لما شاركه في الإباحة قبل النجاسة وجب أن يشاركه في التحريم بعد النجاسة؛ لاشتراكهما في الطهارة والنجاسة.

مسألة:

قال الشافعي: "أولا يحل بيعه لأنه نجس بالمجاوره، فجاز بيعه كالثوب النجس".

قال في الحاوي: وهو كما قال، لا يحل بيع ما نجس من الزيت، والسمن، والدبس وجميع ما لم يتميز نجاسته.

وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه؛ لأنه نجس بالمجاورة، فجاز بيعه، كالثوب النجس.

ودليلنا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بإراقته، ولو جاز بيعه لم يأمر بإضاعته، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوه، وإن الله تعالى إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه ".

وقوله: "جملوها" يعني أذابوها.

ولأنه مائع ورد الشرع بإراقته، فلم يجز بيعه كالخمر.

ولأنه مائع نجس، فلم يجنى بيعه كولوغ الكلب، وكاللبن والخل.

وأما الجواب عن قياسه على بيع الثوب فمن وجهين:

أحدهما: أن عين الثوب طاهر، ونجاسته مجاورة، فتميز عنها وعين الزيت قد نجس، لامتزاج النجاسة به.

وإنها لا تتميز عنه كما لم تتميز عن الخل، واللبن.

والثاني: أن أكثر منافع الناس الزيت، قد ذهبت نجاسته؟ لأن مقصوده الأكل، وأكثر منافع الثوب باقية بعد نجاسته؛ البقاء أكثر منافعه، ولم يجز بيع الزيت النجس،

<<  <  ج: ص:  >  >>