فلا بد منه، والعذر عذران سفر ومرض، فالمرض يأتي حكمه. وأما السفر فيجوز التيمم فيه [١٦٥ أ/ ١] طويلاً كان أو قصيراً، حتى لو خرج إلى بعض السواد إلى صنيعة له فعدم الماء في الطريق فله التيمم والصلاة، ولا إعادة عليه، وذكر هذا في ((البويطي)) ثم قال: وقد قيل: إنه لا يتيمم إلا في سفر تقصر فيه الصلاة، فمن أصحابنا من قال: أراد به قول بعض الناس، وليس هذا بقول آخر للشافعي، ومنهم من قال: فيه قولان، والصحيح الأول، لأنه يعدم الماء في مثل هذا الموضع غالباً فأشبه السفر الطويل، وليس كالفطر والقصر، لأنه يراعى فيهما المشقة وهي في السفر الطويل دون القصير غالباً بخلاف هذا. واحتج الشافعي
فيه بظاهر القرآن وبابن عمر. وأما ظاهر القرآن فمعلوم وهو قوله تعالى:{وإن كُنتُم مَّرضي أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى قوله {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[النساء: ٤٣] ولم يفصل.
وأما ابن عمر- رضي الله عنه- فتمام الخبر ما روي أنه انصرف من قرية يقال لها حرف قريب من المدينة فبلغ موضعاً مشرفاً على المدينة يقال له: مربد، فدخل وقت العصر فطلب الماء للوضوء فلم يجد، فجعل يتيمم، فقال له نافع مولاه: أتيمم وهو ذي تنظر إليك جدران المدينة فقال: أو .... حتى أبلغها، وتيمم وصلى، ثم دخل المدينة والشمس حية بيضاء فلم يعد الصلاة، وقال القفال: في الحقيقة لا يتعلق التيمم [١٦٥ ب/ ١] بالسفر، بل يتعلق بعدم الماء في الموضع الذي يعدم فيه غالباً، فإن الرجل لو أقام في مفازة يعدم الماء فيها غالباً وطالت إقامته له التيم ولا يعيد، وفي مثله ورد الخبر، وهو ما روي عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: كنت بالربذة، فكنت أفقد الماء أياماً، فقلت: هلك أبو ذر، فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذكرت له فقال: ((التراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر سنين)) وفي مسنده لو بلغ المسافر مصراً فنفذ فيه الماء فتيمم وصلى تلزمه الإعادة، وهذا صحيح كما ذكره، ولكن يجوز أن يحال به على السفر على حكم العادة الغالبة. وقال والدي الإمام- رحمه الله: يحتمل وجهاً آخر أن يقال: لا تلزم الإعادة على هذا المسافر في المصر، لأن حكمه حكم من هو في المفازة في القصر والفطر، ورأيت بعض أصحابنا يقول فيه وجهان، وقيل: جملة الأحكام المتعلقة بالسفر هي ثلاثة أضرب، ضرب يجوز في السفر الطويل والقصير وهو التيمم، والصلاة على الراحلة، وأكل الميتة عند الضرورة. وضرب لا يجوز إلا في السفر الطويل وهو الفطر، والقصر، والمستبيح ثلاثة أيام. وضرب فيه قولان وهو الجمع بين الصلاتين. وذكر بعد أصحابنا بخراسان: أن الصحيح من القولين في الصلاة على الراحلة أنه لا يجوز إلا في السفر الطويل، [١٦٦ أ/ ١] وهذا غلط والمشهور خلافه.
فرع
لو عدم الماء في الموضع الذي لا يعدم في مثله غالباً كالمصر، مثل أن يحبس فلا